موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الأسئلة والفتاوى العلمية 69 - لماذا تشترط المقرأة مالًا لإقامة بعض الدورات أو الختمات ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فإن بعض الناس ولأول وهلة يقرؤون إعلانًا من إعلانات المقرأة - لدورات أو ختمات بمقابل مالي - يبادرون بالطعن في النوايا ، ويقولون "أنتم تبيعون العلم" وهل يلزمني دفع كذا لأقرأ كذا .... إلخ ويتمحل بكل سبيل حتى يثبت للعالَم أنه لا صواب إلا ما يقول ، وأن من يأخذ مالا ليعلم جاهلًا فهو آثم ، أصاب ذنبًا لا يُغتَفَر ، وجوابنا على هؤلاء برحمة كما علمنا نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - أن نعذرهم لجهلهم ، ونردد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ..» . (1)
وقد ذكر الفقهاء حكم اشتراط المال على تعليم العلوم الشرعية والعربية ، وذكرناها مرارًا وتكرارًا في أكثر من موضع (2) ، كما حذرنا من الشيوخ الذين أعمتهم الدنيا عن معرفة الحق فهم يطلبون المال الكثير على أوراق وشهادات دون استحقاق ، أو يبالغون في طلب المال للجلوس معهم لدقائق معدودة ، والآن نجيب على بعض التساؤلات
س1-لماذا تشترطون مالا لحبس الوقت في بعض الدورات المكثفة ؟
ج1 : ولمَ لا نشترط ؟! وأرباب كل علم أو فن يشترطون مالا لحبس أوقاتهم ، ويتعللون بأنهم متفرغون لهذه الأعمال ، وليس لديهم دخل من طريق آخر ؛ لأداء التزاماتهم اليومية من مسكن ومأكل ومشرب ومركب ... إلخ .

س2-هل العمل الذي تشترط المقرأة عليه مالا يكون للدنيا وليس لوجه الله ؟
ج2 : لا ، بل هو لله وحده ؛ لأن العمل الصالح مع المال على أربعة أقسام :
الأول : بغير مال وهو لغير الله ، كعمل المنافقين ، وقد كانوا يصلون ويصومون ويتصدقون وينطقون بأفصح الكلام وبل ويجاهدون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يطلبون على ذلك مالا .
الثاني : بغير مال وهو لله ، كعمل الأنبياء والأولياء الذين يسر الله لهم مصادر رزق تغنيهم عن أخذ شيء من الناس إلا على سبيل الهدية .
الثالث : بمال وهو لغير الله ، كمن يعملون بمال كثير أو قليل وغاية همهم من العمل غرض دنيوي كجمع المال أو الشهرة أو السلطة ... إلخ وعادة لا يترك العلم الشرعي في حياتهم أثرًا ؛ فهي وظيفة يؤدونها ليس غيرُ .
الرابع : بمال وهو لله ، كمن يعملون بمال لأداء التزاماتهم المعيشية وتوفير حياة كريمة وغاية همهم رضوان الله ، ولا يجعلون الدنيا همهم بحيث لو طُلِبَ منهم أن يعلموا طلابا مجتهدين مجانًا - ولم يسبب لهم ذلك ضررا - ما تأخروا ، وهؤلاء يترك العلم الشرعي فيهم آثار طيبة ؛ فهي رسالة وليست وظيفة ، وأخذهم المال لا ينقصهم الأجر ، ومن القواعد الفقهية المعروفة:

بشرى لنا بهذه البشــارة *** والأجر لا تنقصه الإجـــارة
وقد نص الفقهاء على جواز إدخال ما لا يحتاج إلا نية من أمور الدنيا مع العبادة المسلتزمةِ النيةَ ، اقرأ قول الله - تعالى - ((لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ )) (البقرة 198) حتى في ذِرْوَة سَنامِ الإسلام الجهاد مع أخذ المال والغنيمة (3)  ؛ فالعبرة بالنية أولا وآخرًا ،  وحديث إنما الدنيا لأربعة نفر (4) صريح الدلالة على ذلك .

ثم إننا نتوجه بالسؤال للأخ الكريم : هل الأئمة والخطباء والمؤذنون ومعلمو القرآن الكريم والعلوم الشرعية في كل المساجد والمؤسسات يأكلون حرامًا على أعمالهم ؟ 
فإن قال لا ، قلنا إذًا فلماذا أجزت لهؤلاء أخذ المال واشتراطه مقابل حبس أوقاتهم لأداء أعمالهم ولم تجز عمل المقرأة ؟! رغم أن التعليم عبر الإنترنت يتطلب مكانًا له إيجار شهري وفواتير ماء وكهرباء وهاتف وإنترنت فضلا عن تفرغ من يقوم بهذه الأعمال    ومن الطرائف أننا نقابل بعض هؤلاء المنكرين ، وليس لهم عمل إلا تعليم القرآن أو الإمامة ويتقاضون أجورًا على ذلك ؛ فهو حلال لهم ، حرام علينا  .
!!! 
وإن قال نعم لا يجوز أن يأخذوا مالا على الإمامة والخطابة والتعليم ... إلخ ، قلنا له : خالفت الصواب ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في كما في الصحيح - وهو مقدم على ما في سواه :
«إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» (5)

فإن استدل بأحاديث تحرم أخذ المال على تعليم القرآن قلنا له كلها أحاديث ضعيفة ،  قال الحافظ ابن حجر : "لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِالْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هِيَ وَقَائِعُ أَحْوَالٍ مُحْتَمِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ لِتَوَافُقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَحَدِيثَيِ الْبَابِ وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ أَيْضًا لَيْسَ فِيهَا مَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَلَا تُعَارِضُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ" ا هـ . (6) 

وأما ما ثبت من أحاديث أو آيات تنهى عن التأكل بالقرآن ، كقول الله - تعالى -  : ((وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا)) (البقرة 41 وشبيهاتها الثمانية في القرآن) فهي واضحة الدلالة في التشنيع على القراء قراءةً مجردة للمال (7) أو العلماء الذين جعلوا الدنيا همهم ونيتهم ، فعملهم للمال لا لله كما ذكرت في القسم الثالث ، وليست هذه الأحاديث عن من يأخذ مالا على التعليم ونيته بذلك لله  كما في القسم الرابع .
والآن نسأل من ينكرون أخذ المال واشتراطه على تعليم العلم الشرعي : أأنتم أفقه أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والصحابة والتابعون والفقهاء ؟!
  
س 3 : لماذا تشترط المقرأة على القادرين دفع مبلغ من المال مقدمًا ؟ 

ج 3 : أقول - وبالله التوفيق - مما استدل به الفقهاء على جواز أخذ المال على تعليم القرآن : ما ورد في الصحيح عن سهل بن سعد الساعدي أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم جَاءَتهُ امرَأة فَقَالت: إني وَهَبْت نَفْسي لَكَ، فَقَامَتْ طَوِيلا.
فقال رَجُل: يا رسول الله، زوجنيها إنْ لَم يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَة.
فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِن شيء تُصْدِقُهَا»؟ فقال: مَا عِنْدِي إلا إزاري هذَا.
فَقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ أعطَيتَهَا إزَارَكَ جَلستَ وَلا إزارَ لكَ، فَالتمس شيئَاً».
قالَ: مَا أجِدُ، قالَ: «التمس ولو خاتما مِنْ حديد».
فَالتمس فَلم يَجِد شَيئاً.
فَقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هَل مَعَكَ شيء مِنَ القُرآنِ»؟ قال: نعم.
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «زَوجتُكَهَا بِما مَعَكَ مِنَ القُرْآن».أو على أن تعلمها ما معك من القرآن" .
ا هـ ، قال الفقهاء فجعل تعليمَه المرأةَ القرآنَ مقابل المال الذي يكون للصداق ، ومعلوم أن الصداق يدفع مقدما كله أو مؤخرًا كله ، أو يقسم على قسمين ، قسم مقدما ، وقسم مؤخرا كما هو الحال عندنا في مصر الحبيبة ، فليس في ذلك أي مخالفة شرعية ، وهناك الكثير من المعاملات المالية في حياتنا اليومية تقوم على الدفع مقدمًا ؛ لأن الغالب أن تكون الثقة في الجهة التي تتوجهون إليها لتطلبوا منها العلم ؛ لأن الإنسان لا يلجأ إلى مكان ليتعلم فيه فيقرأ فيه ختمة أو يحضر دورة إلا إن سأل وتعرف على الشيخ الذي يدرس ... إلخ حتى تحصل له الثقة فيذهب ويتقدم ، وأما العكس فغير صحيح ، ف
الأصل أن الشيخ موثوق فيه ، والطالب غير معروف ، فعندما يحضر إلينا الطلاب ليس لدينا إمكانية أن نكلف لجنة بالتأكد من صدق الطلاب في معلوماتهم أو إخبارهم بأنهم سيحضرون وينتظمون ويدفعون في نهاية الدورة أو الختمة ، والواقع خير شاهد فقد رأينا من كثير من الطلاب في الإنترنت وعودًا بالدفع ، حتى إذا اقترب موعد الدفع انصرفوا أو اعتذروا ، وقد - والله - خبرت هؤلاء ، وأقسم بالله غير حانث على عدم جدية كثير من الطلاب ، وإلا فالعلم متاح لدي ولدى كثير من الشيوخ مجـــانـــا وبدون أي مقابل للجادين من غير القادرين ، وبيوتنا مفتحة لكل الطلاب من كل البلدان ، ولا نريد جزاءً ولا شكورًا ممن يتجشم العناء ويسافر ؛ ليجاورنا ويقرأ ما يريد ، لكن أن يعطلنا أحد أمام الشاشات وننفرغ له الأوقات ثم لا يحضر أو يعد ويخلف ، وما أكثرهم ! فمن ذا الذي يضمن لنا انتظام الطلاب ؟! أقول يا طلاب العلم اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، واستقيموا يرحمكم الله .  
س 4 - لماذا نرى إعلانات وفيها الدفع بالدولار ؟
ج 4 : نعم بالدولار ؛ لأنها عملة دولية متعارف عليها ولها قيمة عند كل الدول بخلاف عملة العراق أو مصر أو غيرهما ، فمثلا لو جئنا بجنيهات مصرية وأردنا إنفاقها في المغرب أو العراق أو أي دولة غير مصر لا نستطيع ، لماذا ؟! لأنها ورق فقط لا قيمة له إلا داخل مصر ؛ فلا قيمة لعملة أي دولة خارجها إلا الدولار واليورو ودول الخليج .
 
س5- بماذا تجيبون على الحديث : «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».(8) ؟
ج5 : الحديث لا يتحدث عن العلم المستحب أو الواجب وجوبًا كفائيا - بحيث إن تعلمه وعَلَّمَه البعضُ سقط الإثم عن الباقي  - ، وإنما يتحدث عن العلم الواجب وجوبًا عينيًا ، قال الإمام الخطابي  - ت 388 هـ رحمه الله - : ((وَهَذَا فِي الْعِلْمِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُهُ كَمَنْ رَأَى كَافِرًا يُرِيدُ الْإِسْلَامَ يَقُولُ عَلِّمُونِي الْإِسْلَامَ وَمَا الدِّينُ وَكَيْفَ أُصَلِّي وَكَمَنَ جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فِي حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَمْنَعُوا الْجَوَابَ عَمَّا سُئِلُوا عَنْهُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ وَالْعُقُوبَةُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي نَوَافِلِ الْعِلْمِ الَّذِي لَا ضَرُورَةَ لِلنَّاسِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا)) (9) انْتَهَى . 
ثم إن الحديث عن سؤال علم لا شرح كتاب أو سماعه في 20 ساعة أو تخصيص 40 أو 50 ساعة لختم القرآن مع مراقبة التلاوة وتصحيح الأحكام .

وهل من الحكمة أو المنطق أن يضر المعلم بنفسه لينفع غيره ، وقد علمنَا الله - تعالى 

((وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا)) (البقرة 195) ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (10) ألم تعلم أن التقصير في واجبات الدنيا كالتقصير في واجبات الدين ، وأن مصلحة الأبدان مقدمة على مصلحة الأديان ؟! 
وفي الحديث «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» (11)

وأخيرًا لا آخرًا نقول للأخ الكريم المنكرِ اشتراطَ المالِ على تعليم العلم  :
 إذا لم تستطع شيئًا فَدَعْهُ ... وجاوزه إلى ما تستطيعُ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» (12) . وبحمد الله المقرأة اتخذت منهجًا وسطًا فتُعَلِّمُ مجانًا الطلاب المجتهدين من غير القادرين بالضوابط المذكورة في نظام المقرأة (13) بشرط أن لا يخل إفراغ الوقت لهم بالتزامات المقرأة والقائمين عليها ، ولو علمنا طلابا مجتهدين (14) في أي مكان في العالم وليس لديهم مال وطلبونا واستطعنا أن نذهب إليهم لنعلمهم ما تأخرنا إلى ذلك سبيلا ، وكفى بالله شهيدًا ، نسأل الله الإخلاص والقبول والتوفيق ، وأن يعلمنا ما ينفعنا ، وينفعنا بما علمنا ، ويجعله حجة لنا لا علينا ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري (71) (1/ 25) ومسلم (1038) (2/ 719) . 
 (2)لمعرفة أقوال العلماء في اشتراط المال على التعليم تابع الرابط :  
 http://islamqa.info/ar/120296
ومن الطرائف : أن أحد القضاة من الشافعية أتاه معلم قرآن يأخذ على ذلك أجرا، فلما أتاه رد شهادته، فقال: علام ترد شهادتي أيها القاضي؟ قال: لأنك تأخذ أجرا على كتاب الله، قال: وأنت أيها القاضي تأخذ أجرا على كتاب الله ، الراتب الذي تأخذه على كتاب الله على تطبيقه وهو القضاء، قال: أنا مكره، قال: أكرهوك على القضاء فهل أكرهوك على أخذ الدراهم، قال: هات شهادتك، وقبل شهادته. المرجع :
http://www.dedew.net/text-1496.html 
(3) جاء في مواهب الجليل نقلًا عن الفروق للقَرافي : "مَنْ يُجَاهِدُ لِتَحْصِيل طَاعَةِ اللَّهِ بِالْجِهَادِ ، وَلِيَحْصُل لَهُ الْمَال مِنَ الْغَنِيمَةِ ، فَهَذَا لاَ يَضُرُّهُ وَلاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالإْجْمَاعِ ؛ لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَل لَهُ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ" . مواهب الجليل 2 / 532 ، وحاشية البجيرمي على المنهج 1 / 67 ، ومغني المحتاج 1 / 49 ، 150 ، والمغني لابن قدامة 1 / 112 .والموسوعة الفقهية الكويتية .
كتبت في ذلك وأشرت إلى التلازم بين العلم والمال في الرابط التالي ، فراجعه إن شئت  (4) 
http://zdnyilma.blogspot.com/2015/05/3.html
 (5)رواه البخاري (5737) (7/ 131) ، والحديث بطوله عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرُّوا بِمَاءٍ، فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ، فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ المَاءِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ، إِنَّ فِي المَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى شَاءٍ، فَبَرَأَ، فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، حَتَّى قَدِمُوا المَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» ، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ [ص:93] مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» ، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا» فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رواه البخاري (2276) (3/ 92) ومسلم (2201) (4/ 1727) ، والراقي هو أبو سعيد الخدري كما قال علماؤنا ، وموضع الدلالة أولا : مطلق كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثانيًا : حاجة الصحابة للضيافة كما في الرواية الثانية ، وقد منعوهم حقهم ، جعل أبا سعيد يشترط عليهم ، وفي قصة الخَضِرِ إشارة شبيهة ، قال الله - تعالى - : ((فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)) (الكهف 77) . كما استدل المتأخرون بالعُرْفِ على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والإمامة والأذان . أصول الفقه الإسلامي . د/حسين سمرة - حفظه الله - (ص 147) .
(6) فتح الباري (4/ 454) . 
(7) القراءة المجردة كقراءة القرآن في العزاء وفي الإذاعات والحفلات نص كثير من السلف على تحريم أخذ المال على ذلك ، ونقل الإجماع على ذلك الإمام ابن تيمية - رحمه الله - انظر مثلا كتابه "أحاديث القصاص" (72) (1/ 91) وعليه قول الشاطبي - رحمه الله - في القراء السبعة :
24 - تَخَيَّرَهُمْ نُقَّادُهُمْ كُلَّ بَارِعٍ ... وَلَيْسَ عَلَى قُرْآنِهِ - أي قراءته - مُتَأَكِّلَا
 وللمزيد تابع الرابطين :
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=290 
http://www.dedew.net/text-17.html 
(8) صحيح ، رواه أبو داود (3658) (3/ 321) وأحمد (8533) (14/ 214) وغيرهما .
(9) معالم السنن (185/ 4) . 
(10) صحيح ، رواه ابن ماجه (2340) (2/ 784) ومالك (2758) (4/ 1078) وغيرهما .
(11) صحيح ، رواه أبو داود (1692) (2/ 132) والحميدي (610) (1/ 508) بلفظ " مَنْ يَعُولُ"ورواه غيرهما.
(12)  صحيح ، رواه الترمذي (2317) (4/ 558) وابن ماجه (3976) (2/ 1315) .
(13)  تابع الرابط :   http://zdnyilma.blogspot.com/2014/08/blog-post_80.html
(14) أضف إلى ذلك أن أي شيء يدفع فيه الطالب مال قليلا أو كثيرًا يأخذه بأهمية ، وأكثر الطلاب الذين لا يدفعون لا يلتزمون ، وقد رأيت خلال ما لا يقل عن خمس سنوات العجب والعجاب ، حتى قُيِّدَتِ الأمور بنظام يسري على الجميع ، والحمد لله رب العالمين .


الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©