موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة بحوث حديثية 3 - الرواة بصفة عامة

بسم الله الرحمن الرحيم


الرواة بصفة عامة
عُنِيَ العلماء المسلمون ولا سيما علماء الحديث والفقه والأصول بعلم الإسناد ونقد الرواة عناية فائقة إذ به يعرف التمييز بين الصحيح والحسن والضعيف من المرويات والمقبول من المردود منها, وذلك لما رأوا الله ورسوله يحضان على التثبت في المرويات وأنه لا يقبل إلا خبر العدل الضابط, ففي الكتاب الكريم يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[1]. وقال أيضا جل ثناؤه: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[2]. وقال عز شأنه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ}[3].
فقد دل ما ذكرنا من الآي أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر وإن فارق معناه الشهادة في بعض الوجوه. فقد يجتمعان في أعظم معانيها إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم, كما أن شهادته مردودة عند جميعهم, ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق, وهو الأثر المشهور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى([4]) أنه كذب فهو أحد الكاذبين"([5]) .
وروي في الصحيحين عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد, فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"[6] , وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع".
وكذلك ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم النهي عن الرواية عن الكذابين والضعفاء والمجروحين والمجهولين, والتحري في الرواية, ففي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يكون في آخر الزمان دجالون[7] كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم, فإياكم وإياهم لا يضلونكم".
وروى بسنده عن مجاهد قال: "جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال: يابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تسمع!! فقال ابن عباس: إنا كنا مرة ([8])  إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا, فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف", وفي رواية طاوس للقصة: "فلما ركب الناس الصعب([9]) والذلول تركنا الحديث عنه".
وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو مجهول فلا يمكن اليهود أن يصلوا إلى صاحب نبي أصلا, ولا إلى تابع له, ولا يمكن للنصارى أن يصلوا إلى أعلى من شمعون بولص, وقال أبو علي الجياني: "خص الله هذه الأمة بثلاثة أشياء لم يعطها من قبلها: الإسناد والأنساب والإعراب.[10]


[1] - سورة الحجرات، الآية : 6
[2] - سورة البقرة، الآية: 283
[3] - سورة الطلاق، الآية: 3
[4] - روى يرى بضم الياء بمعنى يظن وبفتحها بمعنى يعلم. وروى الكاذبين بصيغة الجمع وبصيغة المثنى وقد دل الحديث على أنه إن علم كذب حديث أو غلب على ظنه ذلك حرم عليه روايته دون بيان وضعه.
[5] - مقدمة صحيح مسلم ج1 ص61، 62.
[6] - صحيح البخاري, كتاب العلم, باب إثم من كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم، وصحيح مسلم ج1, باب تغليظ الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
[7] - جمع دجال وهو المموه الذي يحاول أن يلبس الباطل ثوب الحق.
[8] - حينا: وذلك قبل أن يظهر الكذب.
[9] - أصل الصعب والذلول في الإبل فالصعب: العسر المرغوب عنه: والذلول: الطيب السهل المحبوب فالمعنى سلك الناس كل مسلك مما يذم ويحمد.
[10] - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، للإمام السوطي رحمه الله، 2/159، تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة الرياض الحديثةـ الرياض.

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©