موضوع عشوائي

آخر المواضيع

رسالة إلى من يفكر في إلغاء مصدرية الشريعة الإسلامية من الدستور المصري



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا  محمد صلى الله عليه وسلم ، وبعد ... هذه رسالة لمن يريد  أو يفكر في حذف المادة الثانية من الدستور المصري ، وهي التي تنص  على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع  ، الإسلام جاء بالمحبة والتسامح والرحمة والاحترام للإنسان ، بل والحيوان أيضا ، ولا أدل على ذلك من النصوص القرآنية والنبوية الكثيرة ، قال الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ، وقال عليه الصلاة والسلام : إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مكارم الْأَخْلَاقِ . ولقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام في المدينة أولا ، وكانت خير دولة بما حكم فيها من شرع الله الحكيم الخبير ، لا باتباع أهواء الناس ، فكانت المدينة الفاضلة ، وكان عصره صلوات الله وسلامه عليه خير العصور على الإطلاق ، والله تعالى خاطبه فقال : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا  ، وما دام الناس يعيشون على البسيطة فلا بد أن يحدث خلاف أو نزاع ، ولكن إلى من نتحاكم إن اختلفنا ؟ ، قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً  ، والرد إلى الله يعني إلى كتابه ، وإلى الرسول يعني إلى سنته ، ولم يقل وإلى أولي الأمر ، وإنما قال : وأولي الأمر ؛ لأن حكم أولي الأمر تابع لحكم الله ورسوله ، وحذر الله تعالى نبيا كريما من أنبيائه من اتباع الأهواء ؛ فقال سبحانه : يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ . وقال سبحانه : وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا .
ولقد نفذ الصحابة رضوان الله عليهم تعاليم الإسلام ، وأقاموا شرعه ، فأعزهم الله ونصرهم على عدوهم ، وعاشوا مع غير المسلمين في أمان ورحمة ، وحسبنا مثالا الوصية العمرية التي كتبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وجاء فيها : هــذا ما أعطى عبد الله عمـر أمـير المؤمـنيـن أهـل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسـهم وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها ، وسائر ملتها ، أنه لا تسكن كنائسهم ، ولا تهدم ، ولا ينتقص منها ، ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم  ... إلخ .
ولذلك لا يستغرب ما جاء في سيرته رضي الله عنه أنه لما قدم المرزبان (رسول كسرى) إلى المدينة لمقابلة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
فأخذ يبحث عن قصر الخلافة وهو في شوق إلي رؤية ذلك الرجل الذي اهتزت من خيفته عروش كسرى وقيصر...
ولكنه لم يجد في المدينة قصرا ولا حراسا فسأل الناس :
أين أمير المؤمنين عمر؟ فقالوا لا ندري ولكنه لعله ذاك النائم تحت الشجرة
فلم يصدق الرجل ما سمع فذهب إليه ، فإذا بعمر رضي الله عنه قد افترش الأرض والتحف السماء وعليه بردته القديمة، فوقف المرزبان مشدوها مستغربا وقال قولته المشهورة :
حَكَمت ... فعَدلت ... فأمِنت ... فنِمت ... يا عمر
وفي هذا يقول شاعر النيل (حافظ إبراهيم )
وَرَاعَ صَاحِبَ كِسْرَى أَنْ رَأَى عُمَرًا...
 بَـيْنَ الرَّعِيَّةِ عُطْلًا وَهوَ رَاعِيهَا
.وَعَهْدُهُ بِمُلُوكِ الْفُرْسِ أَنَّ لَهَا...
 سُورًا مِنَ الْـجُنْدِ والْأَحْرَاسِ يَـحْمِيهَا
.رَآهُ مُسْتَغْرِقًا فِـي نَوْمِهِ فَرَأَى...
 فِـيهِ الـجَلَالَةَ فِـي أَسْمَى مَعَانِـيهَا
.فَوْقَ الثَّرَى تَـحْتَ ظِلِّ الدَّوْحِ مُشْتَمِلًا...
 بِبُرْدَةٍ كَادَ طُولُ العَهْدِ يُبْلِـيهَا
.فَهَانَ فِـي عَيْنِهِ مَا كَانَ يُكْبِرُهُ...
 مِنَ الأَكَاسِرِ والدُّنْـيَا بِأَيْدِيهَا
.وقال قولة حق أصبحت مثلا...
وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
.أمنت لما أقمت العدل بينهم...
فنمت نوم قرير العين هانيها
؛ فالحرية المسئولة ، والأمن والأمان ، والعدالة المنشودة ، والرعاية المفقودة ، ونصرة المظلوم ، ورحمة المحروم ، وإحقاق الحقوق ، وإلزام الواجبات ، في شرع رب العالمين ، الذي يعلم الغيب كالشهادة ، والسر كالعلانية ، أفنترك هذا ونذهب إلى شرائع مرقعة ، إنه لا يتصور أبدا أن يترك مسلم التحاكم إلى كتاب الله تعالى ، كيف وقد ذم الله سبحانه اليهود والنصارى على تفريطهم في تحكيم التوراة والإنجيل فقال سبحانه فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ  ، وقال : وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، وقال : وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . أيها الناس : هذا كلام أحكم الحاكمين ؛ فلا يكون الحكم والتشريع إلا لله وحده ؛ ذلك لأن الله خلق فالذي خلق يعلم بواطن الأمور وظواهرها ويعلم بداية الأمور وعواقبها وهو وحده الذي يعلم ما يصلح أو يضر ،  أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . فإذا أراد أحد من الخلق أن يشرع فإنه مخطئ ؛ لقصور علمه وجهله بالغيوب ، وفقره في معرفة خفايا النفوس ، بل الأدهى والأمر أنه ينازع الله تعالى في صفة من صفاته ، وهي الحاكمية ، والله تعالى يحذر من هذا فيقول :  وَلَا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا _قراءة متواترة : ابن عامر الشامي _ ؛ فمن أجل هذا كان هذا الصنف المخالف طاغوتا تجاوز حده وتعدى قدره – كعبد لله - ، َوجعل من نفسه إلها ، وهو لا يملك بوله ولا يعرف أجله ، أيستوي العبد مع الرب ؟ فما لكم كيف تحكمون ، أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ،  فلا يصح أن يأمر ويشرع إلا الذي يعطي ويمنع وهو الخالق الكامل وحده : أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؛ وقال سبحانه : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {48} وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ {49} أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ {50}سورة المائدة .نسأل الله أن ييسر لهذه الأمة من يفعّل هذه الشريعة ، وأن يصلح البلاد والعباد ، وأن يجنبنا الفواحش والفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، والله أعلم وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .وللحديث بقية إن شاء الله ، والسلام عليكم ورحمة الله .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©