موضوع عشوائي

آخر المواضيع

تقاييد على كتاب الله المجيد - وليعفو وليصفحوا

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فيقول الله - تعالى - في سورة النور :





كثيرًا ما أمر بهذه الآية فأقول في نفسي : وأيُّ جُرْمٍ أعظم من الطعن في الأعراض ، التي من أجلها تُسْفَك الدماء ؟! ومع ذلك فإن حبيبنا - صلى الله عليه وآله وسلم - غفر وعفا وصفح ، وهناك فرق بين المغفرة والعفو والصفح :

فأما المغفرة والغفران والغَفْرُ فهي كلمات شتى ، أصلها واحد ، وهو السَّتر ، ومنه المِغْفَر سمي بذلك لأنه يستر صاحبه ، ومنه الْغَفِيرُ: الشَّعْرُ السَّائِلُ فِي الْقَفَا ؛ فهو مستور عن الناظرين ، وَذُكِرَ عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْعَرَبِ أَنَّهَا قَالَتْ لِابْنَتِهَا: " اغْفِرِي غَفِيرَكِ "، تُرِيدُ: غَطِّيهِ. فالغفران يَقْتَضِي إِسْقَاط الْعقَاب ، والذي يعاقب العباد هو الله - تعالى - ؛ وَلِهَذَا لَا يسْتَعْمل إِلَّا مع الله - عز وجل - ؛ فَيُقَال غفر الله لَك وَلَا يُقَال غفر زيد لَك إِلَّا شاذا قَلِيلا ، أَلا ترى أَنه يُقَال استغفرت الله - تَعَالَى - وَلَا يُقَال استغفرت زيدا. (1)
قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3] , قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَهُوَ الَّذِي يَسْتُرُ عَلَى الْمُذْنِبِ وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِهِ فَيُشَهِّرُهُ وَيَفْضَحُهُ .


وَأما العفو فالأصل فيه ترك الشيء أو طلبُه ؛ فعفو الله عن العباد : تَرْكُهُ إِيَّاهُمْ فَلَا يُعَاقِبُهُمْ فَضْلًا مِنْهُ . وقد يكون العفو عن استحقاق أو عن عدمه ، وقيل إن العفو مَأْخُوذٌ مِنْ عَفَتِ الرِّيحُ الْأَثَرَ إِذَا دَرَسَتْهُ ؛ فَكَأَنَّ الْعَافِيَ عَنِ الذَّنْبِ يَمْحُوهُ بِتجاوزه عَنْهُ . وَمِنَ الْبَابِ الْعَافِيَةُ : دِفَاعُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَنِ الْعَبْدِ ، أي صرفه أسبابَ إيذائه أو أمره بأسباب راحته ، وفي الحديث : "سَلُوا الله َالعَفْو والعَافِية والمُعَافاَة فَما أوتي أحَدٌ بعْدَ يَقِينٍ خَيراً مِن معافاة" . (2) ومنه الْعِفَاوَةُ: شَيْءٌ يُرْفَعُ مِنَ الطَّعَامِ يُتْحَفُ بِهِ الْإِنْسَانُ ، سمي بذلك ؛ لأنه ترك فلم يؤكل ، وفي الذكر الحكيم ((وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ)) (البقرة 219) أي الفضل ، ما زاد عن حاجتكم وتركتموه فأنفقوه ، ويقال للمَكَان الَّذِي ترك فلَمْ يُوطَأْ الْعَفْوُ ، وتقول : هذه أَرْضٌ عَفْوٌ: لَيْسَ فِيهَا أَثَرٌ فَلَمْ تُرْعَ. وَطَعَامٌ عَفْوٌ: لَمْ يَمَسَّهُ قَبْلَكَ أَحَدٌ، وَهُوَ الْأُنُفُ. وقال بعض أهل اللغة عفا من الأضداد فهو يعني كَثُرَ أو دَرَس كما ذكر ابن الجوزي وغيره في تفسير قول الله - تباركت أسماؤه - ((ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا)) (الأعراف 95) ورده ابن فارس ، ومنه الْعَفَاءُ التُّرَابُ الْمَتْرُوكُ الَّذِي لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَلَمْ يُوطَأْ ، وعَفَتِ الدَّارُ فَهِيَ تَعْفُو عَفَاءً ، وَتَعَفَّتْ تَعَفِّيًا أي غطاها التراب . (3) وعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالتْ : قُلتُ يا رسُولَ الله أرأيتَ إنْ علِمْتُ أيَّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ ما أقُولُ فيها ؟ قالَ:"قُولي اللهُمَّ إنَّكَ عَفوٌ تحبُّ العَفوَ فاعْفُ عنِّي" . (4) ؛ فالْعَفو يَقْتَضِي إِسْقَاط اللوم والذم وَلَا يَقْتَضِي إِيجَاب الثَّوَاب .

وأما الصفح فالأصل فيه العَرْضُ والعِرَضُ ؛ فالصفح هو الإعراض عن الذنب ، والتجاوز عنه ، مع إبداء صفحة جميلة ، من قَوْلك صفحت الورقة إِذا تجاوزتها ، ولِأَنَّهُ إِذَا أَعْرَضَ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ وَلَّاهُ صَفْحَتَهُ وَصَفْحَهُ ، أَيْ عُرْضَهُ وَجَانِبَهُ ، وفي الحديث " فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللهِ" رواه مالك وغيره . وصَُفْح الشيء عَرْضُه ، ومنه المصافحة إلصاق عَرْضِ الكفين ببعضهما ، وَالصَّفِيحَةُ : كُلُّ سَيْفٍ عَرِيضٍ. وَصَفْحَتَا السَّيْفِ : وَجْهَاهُ . وقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ .." .(5) ويقال صَفَحْتُ الرَّجُلَ وَأَصْفَحْتُهُ ، إِذَا سَأَلَكَ فَمَنَعْتَهُ ، وقيل صفحت الرجل أي ضربته على عَرْضِ وجهه .(6)




نخلص مما تقدم أن العفو ترك المؤاخذه ، وأما الصفح فهو تجاوز عن الذنوب مع إبداء الجميل ، ومن هذا المنطلق نفهم أمر ربنا - سبحانه وتعالى - لحبيبه - صلى الله عليه وآله وسلم - ((فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)) (الحجر 85) ، ((فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ)) (الزخرف 89) . ولعلك يا رعاك الله تسأل : لِمَ يعفو المسلم عن المخطئين في حقه ؟! ليس هذا فحسب ، بل ويعاملهم بالجميل وكأنهم لم يسيئوا !!! أليس هذا جبنا أو ضعفًا ؟!

والإجابة عن ذلك من وجهين : عقلي ، ونقلي :

أما العقلي فقد ثبت أن أكثر من 60 % من الأمراض الفتاكة (كالضغط والسكري والشلل والجلطة والسكتة القلبية والسرطان .... إلخ) مُسبَبٌ عن الغضب والعصبية ، وقد حذر الشارع الحكيم من الغضب ...

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوْصِنِي، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ».(7)


فالأرفق بصحة الإنسان والأجدر براحته أن يكف عن الغضب ، قال علماء الأصول "ليس النهي عن الغضب في ذاته ؛ لأنه فطرة بشرية ، ويقول الإمام الشافعي - رحمه الله - : "من استغضب فلم يغضب فهو حمار ، ومن استرضي فلم يرضَ فهو شيطان" . وإنما المقصود بقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تغضب" أي لا يكن الغضب سببًا في وقوعك في محظور أو تفويت مأمور" أي تتعايش مع هذه الغضب فتكظمه أي تحبسه ، وتتغلب على آثاره بتغيير الموضوع بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وتغيير الوضعية . ولهذا كان من الأدعية المأثورة اللهم إني أسألك العدل في الرضا والغضب ، وفي الحديث : ثلاث منجيات
: العدل في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، وخشية الله –تعالى- في السر والعلانية . (*)

قال العلامة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : إذا وجد سبب الغضب، وغضبَ الإنسان فماذا يصنع ؟

نقول: هناك دواء - والحمد لله - لفظي وفعلي. أما الدواء اللفظي: إذا أحس بالغضب فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد غضب غضباً شديداً فقال: "إِنِّي أَعلَمُ كَلِمَةً لوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَايَجِد - يعني الغضب - لَوقَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ" . وأما الدواء الفعلي: إذا كان قائماً فليجلس، وإذا كان جالساً فليضطّجع ، لأن تغير حاله الظاهر يوجب تغير حاله الباطن، فإن لم يفد فليتوضّأ، لأن اشتغاله بالوضوء ينسيه الغضب، ولأن الوضوء يطفئ حرارة الغضب. (8)

وهذا لا يعدو ما دعا إليه العلم الحديث اليوم ؛ فقد دعا لمعالجة الغضب ببعض هذه الآليات ، كما يوصي الطب الحديث كل من يتعرض للغضب الشديد والانفعالات النفسية بالاسترخاء قبل إطلاق العنان للجوارح واللسان .
جاء في كتاب ( هاريسون الطبي ) : " أنه من الثابت علمياً أن هرمون النور أدرينالين يزداد بنسبة 2 : 3 أضعاف لدى الوقوف بهدوء لمدة خمس دقائق ، أما هرمون الأدرينالين فيرتفع ارتفاعاً بسيطاً في الوقوف ، لكن الضغوط النفسية تزيد من نسبته في الدم … ولا شك أن ارتفاع العاملين معاً ، الغضب والوقوف يرفع نسبة هذين الهرمونين بشكل كبير" . (9)



ولو تفكر المسلم في ثواب كظم الغيظ لتاقت نفسه لتحصيل هذا الثواب واستعذاب ما يعترضه في سبيله ، قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - :
"من كَظَمَ غَيظاً وهو قادرٌ على أن يُنـْفِذَهُ ، دَعَاهُ الله ُعلى رؤوسِ الخَلائقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيّرَهُ من الحورِ العينِ ما شَاء" . (10)

كما ثبت علميًّا أن كثيرًا من الطاقة الذهنية والنفسية تذهب سدًى جراءَ الغضب وما يتبعه من آلام نفسية وتفكير في ما وقع ، فماذا لو حول المسلم هذه الطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية ؟! هل سيخسر أم يربح ؟!
سيربح كثيرًا ، وسيكتسب مهارة الحلم والعفو والصفح ، وهي خصال يحبها الله ورسوله ، وَقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ " .(11) ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشَيْءٌ جُبِلْتُ عَلَيْهِ، أَمْ شَيْءٌ حَدَثَ لِي؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ شَيْءٌ جُبِلْتَ عَلَيْهِ» . (12) وفي رواية قَال - عليه الصلاة والسلام - : «الْحِلْمُ وَالْحَيَاءُ» ، قال أشج : قُلْتُ: قَدِيمًا كَانَ أَوْ حَدِيثًا؟ قَالَ: «قَدِيمًا» ، قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ أَحَبَّهُمَا اللَّهُ . (13)

وأما وجه العفو من المنقول (14) ففي القرآن الكريم قال الله - تعالى - في صفات المتقين :

((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) (آل عمران 133 : 136) .
والعفو الذي نقصده هو العفو عند المقدرة ، وليس عند الضعف ، قال الله - تعالى - :

((إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)) (النساء 149) .
وإذا تأملت سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- لوجدتها كلَّها عفْوًا وغُفْرَانًا وصفحًا ، والتاريخ يسطر بمداد من نور على صفحات من ذهب قوله - عليه الصلاة والسلام - يوم فتح مكة رمضان 8 هـ صلحًا ؛ لمشركي قريش الذين قاتلوه وأخرجوه من أحب البلاد إلى الله وأحبها إليه :

"يا مَعشرَ قريشٍ ما تظُّنُونَ أنِّي فاعلٌ بكم ؟


قالوا : خـيراً ، أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ . لم يعاملهم بالمثل ، وكان قادرًا على أن يصدر قرارًا بقتلهم أو أسرهم ، كلا ... إنه نبي الرحمة ، ولهذا قالَ لهم : فإني أقولُ لكم ما قالَ يُوسُف لإخوته : " لا تَثرِيبَ عَليكُم اليومَ " (يوسف : 92) (اذْهَبـُوا فأنُتم الطُّلقَاء) . (15)

فأسلم على إثر ذلك المئات كما ذكر أصحاب السير ، وفي صهوة الفرح بالنصر قال سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ ، اليَوْمَ يَوْمُ المَلْحَمَةِ (أي المقتلة) ، اليَوْمَ تُسْتَحَلُّ الكَعْبَةُ ، فلما بلغ النبيَّ - عليه الصلاة والسلام - ما قاله سعدٌ قال : «كَذَبَ سَعْدٌ ، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الكَعْبَةَ ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الكَعْبَةُ» . (16) وعزل سعدًا وولى مكانه عليًّا أو الزبير أو ابنه قيسَ بن سعد . (17)

ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاب أبا سفيان : "الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ! الْيَوْمَ أَعَزّ اللهُ فِيهِ قُرَيْشًا" . (18)

لماذا ندعو إلى العفو ؟

لعظيم فضله وجزيل ثوابه ، قال الله تعالى - :

((لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)) (النساء 114) .
وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ – رضي الله عنها - ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ – رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ» ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ» . (19)



ولماذا نعفو ؟!

لأننا نخاف ذم الله لنا ، كيف نريد أن يعفو الله عنا ونحن لم نعف عن المسيئين ، وقد تكفل الله - عز وجل - بالعفو عن العافين عن الناس ، والجزاء من جنس العمل ، وفي الحديث "ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ" . (20) لماذا نعفو ؟!
لأن حال من ظلمنا هو ماض بالنسبة لنا ، كما قال الله - عز وجل - :
((كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ)) (النساء 94)

، ولله دَرُّ د/عبد الله بالقاسم إذ يقول : "كلما رأيت عاثِرًا فَتِّش في خزانة عَثَرَاتك ، ربما تجدُ نسخةً من عَثْرَتِهِ"
وعَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَصَابَ ذَنْبًا، فَكَانُوا يَسُبُّونَهُ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي قَلِيبٍ أَلَمْ تَكُونُوا مُسْتخْرِجِيهِ؟» ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «فَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ وَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي عَافَاكُمْ» ، قَالُوا: أَفَلَا تَبْغَضُهُ؟ قَالَ: «إِنَّمَا أَبْغَضُ عَمَلَهُ، فَإِذَا تَرَكَهُ فَهُوَ أَخِي» . (21)

يقول إمامنا الشاطبي - رحمه الله - :
من عابَ عيباً لهُ عُذْرٌ فلا وَزَرَا يُنْجِيْهِ منْ عزَماتِ اللَّومِ مُتَّئِرَا
وإنما هِىَ أعمالٌ بِـنِـيَّـتِهَا خذ ما صفا واحْتمِلْ بالعفوِ ما كَدَرَا (22)


وتأمل كيف كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه الكرام يتعاملون مع المسيئين أو الجاهلين ، وكيف نتعامل نحن اليوم ؟!
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . (23)


وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ  - رضي الله عنه - قَالَ: " إِذَا رَأَيْتُمْ أَخَاكُمْ قَارَفَ ذَنْبًا، فَلَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، أَنْ تَقُولُوا: اللَّهُمَّ أَخْزِهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّا لَا نَقُولُ فِي أَحَدٍ شَيْئًا، حَتَّى نَعْلَمَ عَلَى مَا يَمُوتُ، فَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ عَلِمْنَا - أَوْ قَالَ: رَجَوْنَا - أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ خَيْرًا، وَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِشَرٍّ، خِفْنَا عَلَيْهِ عَمَلَهُ " (24)

فينبغي أن نترفق بمن ندعوهم إلى الله ونلتمس لهم الأعذار ، قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - :
«إِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ ذَنْبًا قَدِ اعْتَادَهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ أَوْ ذَنْبًا لَيْسَ بِتَارِكِهِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ تَقُومَ عَلَيْهِ السَّاعَةُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُذْنِبًا مُفَتَّنًا خَطَّاءً نَسَّاءً فَإِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ» . (25) 

 وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها ... كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ (26)

سامِحْ أخاكَ إذا خلَـطْ *** منهُ الإصابَةَ بالغلَـطْ

وتجافَ عنْ تعْنـيفِـه *** إنْ زاغَ يوماً أو قسَطْ

واحفَظْ صَنيعَكَ عنـدَه *** شكرَ الصّنيعَةَ أم غمَطْ

وأطِعْهُ إنْ عاصَى وهُـنْ *** إنْ عَزّ وادْنُ إذا شـحَـطْ

واقْنَ الـوَفـاءَ ولَـوْ أخـ *** ـلّ بما اشترَطْتَ وما شرَطْ

واعْلَمْ بأنّـكَ إن طـلـبْـ *** ـتَ مهذَّباً رُمتَ الشّطَـطْ

منْ ذا الذي مـا سـاء قـ *** ـطُّ ومنْ لهُ الحُسْنى فقـطْ

أوَمَا تَرى المَحْبوبَ وال ... مَكروهَ لُزّا في نمَطْ

كالشّوْكِ يبْدو في الغُصو ... نِ معَ الجَنيّ المُلتَقَطْ

ولَذاذَةُ العُمرِ الطّوي ... لِ يَشوبُها نغَصُ الشّمَطْ

ولوِ انتقَدْتَ بَني الزّما ... نِ وجَدتَ أكثرَهُم سقَطْ

رُضْتُ البَلاغَةَ والبَرا ... عَةَ والشّجاعَةَ والخِطَطْ

فوجَدتُ أحسنَ ما يُرى ... سبْرَ العُلومِ معاً فقطْ (27)


ولهذا أقول : التمس لأخيك عذرًا ... اتصلتُ به كثيرًا فلم يجبني ... لعل له عذرًا .... طرقتُ الباب حتى كلَّ متني ... فلما كلَّ متني ما كلَّمتني ... التمس أو التمسي لها عذرًا ... زار بلدتي ولم يزرني ... لعل له عذرًا ... رسائلي وصلت فقرأ ولم يجبني ... التمس له عذرًا ... يتبسم في وجوه القوم إلا وجهي ... لعل له عذرًا ... قال جعفر بن محمد : " إِذَا بَلَغَكَ عَنْ أَخِيكَ الشَّيْءُ تُنْكِرُهُ فَالْتَمِسْ لَهُ عُذْرًا وَاحِدًا إِلَى سَبْعِينَ عُذْرًا ، فَإِنْ أَصَبْتَهُ وَإِلا قُلْ : لَعَلَّ لَهُ عُذْرًا لا أَعْرِفُهُ " (28) . وأقول : في زمن كثرت فيه الأغيار ... وتَشِيع بزيف أو زورٍ سوءُ الأخبار ، فيطير الشامت مغرورًا كلَّ مطار ...
فيكتم خيرًا أو يفشي جُلَّ الأسرار ، ما أحوجنا يا قومي ليلَ نهارْ ... أن نفتح بابًا لقبول
الأعذار ، أن نرجوَ ربًّا سُبُّوحًا ، وهْو الغفَّار .. غُفْرَانكَ ربي ، أسبغ فينا الأستار .


والعفو يعتري كل ما تكون فيه الحقوق حتى في الدماء ، قال الله - تعالى - :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (البقرة 178) .

"قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، أي: من دم أخيه أي: ترك له القتل، ورضي منه بالدية. ودل قوله: مِنْ أَخِيهِ على أن القاتل لم يخرج عن الإسلام، فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ أي: مطالبته بالمعروف، يأمر آخذ الدية بالمطالبة الجميلة التي لا يرهقه فيها. وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ يأمر المطالب بأن لا يبخس ولا يماطل ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ، قال سعيد بن جبير: كان حكم الله على أهل التوراة أن يقتل قاتل العمد، ولا يعفى عنه، ولا يؤخذ منه دية، فرخَّص الله لأمة محمد، فان شاء وليّ المقتول عمداً قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.
قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى، أي: ظلم، فقتل قاتل صاحبه بعد أخذ الدية فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ، قال قتادة: يقتل ولا تقبل منه الدية". (29)


كما أن العفو يشمل مظالم المال من باب أولى ، قال الله - تعالى - : ((وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ)) وقف لازم ، فالصدقة على المعسر خير سواء علمنا أم لم نعلم ، ويثاب المرء رغم أنفه ، وقد فرق علماؤنا (شيخنا د/سعيد صالح - حفظه الله -) بين العزم والعلم ، وقالوا إن العلم ليس حاجبًا عن المعاصي غالبًا بخلاف العزم (30). ثم نبدأ ((إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (البقرة 280) وجواب الشرط محذوف تقديره لتصدقتم ولفعلتم الخير عمومًا .

قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَلَقَّتِ المَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ أُنْظِرُ المُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ المُعْسِرِ» فَقَالَ اللهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي . (31)

ورُوِيَ أنَّ أحد الصالحين ، قيل إنه زين العابدين على بن الحسين - رضي الله عنهم - ، طلب من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ ، فجاء الخادم بماء ، وكان الماء ساخنًا جدًّا ، فوقع الماء من يد الخادم على سيده ، فقال له سيده وهو غاضبٌ : أحرقْتَني ، وأراد أن يعاقبه .
فقال الخادم : يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس ، ارجِع إلى ما قال الله تعالى :
قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟
قال الخادم : لقد قال تعالى:" وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ "
" قال الرجل: كظمتُ غيظي .
قال الخادم :" وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ".
قال الرجل : عفوتُ عنك َ.
قال الخادم : " وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ" (آل عمران :134).

قال الرجل: أنْتَ حُرٌّ لوجهِ الله . (32)


يقول بَشَّار بن بُرد :

إذا كنت في كل الأمور معاتباً

صَديقَكَ لَمْ تَلْقَ الذي لاَ تُعَاتبُهْ

فعش واحدا أو صل أخاك فإنه

مقارف ذَنْبٍ مَرَّة ً وَمُجَانِبُهْ

إِذَا أنْتَ لَمْ تشْربْ مِراراً علَى الْقَذَى

... ظمئت وأي الناس تصفو مشارِبُه(33)


ولما نزلت الآية : ((خُذ العَفوَ وأمُرْ بالعُرْفِ وأعْرِضْ عن الجَاهِلِينَ)) (الأعراف 199) قال النَّبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام : "ما هذا يا جبريل؟ فقالَ جبريل عليه السلام: إنَّ الله َيأمُرُكَ أن تَعْفُوا عمَّنْ ظلَمَكَ وتُعطِي من حَرَمكَ وتَصِلَ من قَطَعَكَ". (34)
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : «قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا» ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ» ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] ، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، «وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ». (35)

ونختم بما به بدأنا قال الله - تعالى - ((وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (النور 22) . من الائتلاء ، وهو القسم بالله - عز وجل - .

وقرأ أبو جعفر ((ولا يَتَأَلَّ)) بوزن يَتَفَعَّل أو يفتعل من التألي أو الأَلِيَّة ، وهي الحلف ، وقيل إنها بوزن يَفْتَعِل من الأَلْوِ أو الأُلُوِّ ، وهو التقصير ، تقول : ما ألَوْتُ أي ما قصرت ، قال الله - سبحانه وتعالى - : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا)) (آل عمران 118) أي لا يُقَصِّرون في إلقائكم فيما يَضرُّكم عياذًا بالله منهم . والافتعال على كلا المعنين تَكلفٌ (36) ، وكأن الله - عز وجل - يقول لأبي بكر : يا أبا بكر الأمر لا يستدعي الحلف ، الأمر أهونُ من هذا ، وهو ما يذكرنا بموقفين آخرين حلف فيهما الصديق - رضي الله عنه - :

عن ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ (أي تقطُرُ) السَّمْنَ وَالعَسَلَ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا (أي يأخذون بأَكُفِّهم) ، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالمُسْتَقِلُّ، وَإِذَا سَبَبٌ (أي حبل) وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «اعْبُرْهَا» قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنَ العَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالقُرْآنُ، حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ وَالمُسْتَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ، تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ، فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» قَالَ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ، قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ» . (37)
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ، كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ» وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ، قَالَ: فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي - فَلاَ أَدْرِي قَالَ: وَامْرَأَتِي وَخَادِمٌ - بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتِ العِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ - أَوْ قَالَتْ: ضَيْفِكَ - قَالَ: أَوَمَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عُرِضُوا فَأَبَوْا، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ، فَقَالَ يَا غُنْثَرُ (أي يا ثقيل أو جاهل) فَجَدَّعَ (أي دعا عليه بالجدع وهو قطع الأنف أو الأذن أو الشفة) وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا لاَ هَنِيئًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُهُ أَبَدًا، وَايْمُ اللَّهِ، مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلَّا رَبَا (أي زاد) مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا - قَالَ: يَعْنِي حَتَّى شَبِعُوا - وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ (زينب بنت دهمان) مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ - يَعْنِي يَمِينَهُ - ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ، فَفَرَّقَنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ، اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ، أَوْ كَمَا قَالَ (38)

ومن فطنة إمامنا ابن الجزري - رحمه الله - أنه ألمح إلى هذا المعنى الجميل بقوله : وَيَتَأَلَّ خَافَ ذُمْ (39) ، ومعلوم عند علماء القراءات أن الخاء رمز لابن وَرْدَانَ ، والذال رمز لابن جَمَّاز ، وكلاهما عن أبي جعفر ؛ فهي قراءة الإمام أبي جعفر براوييه ؛ فضرب عصفورين بحجر واحد . وسأذكر حديث الإفك الطويل ؛ لما فيه من فوائد :

روى إمامنا البخاري في صحيحه حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا نَزَلَ الحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي، وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا، لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا تَأْكُلُ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ، وَلاَ مُجِيبٌ فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الجَيْشِ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَوَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي، أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّطَفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: «كَيْفَ تِيكُمْ؟» ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ، فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا، وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغَائِطِ، فَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي، وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهْ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْنِي سَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ تِيكُمْ» فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهْلَكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ، هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟» قَالَتْ بَرِيرَةُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا، أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَعْذَرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: «يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي» فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ، قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ، فَتَثَاوَرَ الحَيَّانِ الأَوْسُ وَالخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى المِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ: فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَلاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، يَظُنَّانِ أَنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي، وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ «لَبِثَ» شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي، قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ: إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيثَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ، قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] ، قَالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ، وَهُوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، مِنْ ثِقَلِ القَوْلِ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: «يَا عَائِشَةُ، أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ» فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسِبُوهُ) العَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا، أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: «يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟» فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالوَرَعِ وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ مِنْ أَصْحَابِ الإِفْكِ . (40)


تمسكوا بأحبتكم ♥♥ جيدا
وعبروا لهم عن حبكم واغفروا زلاتهــم
فقد ترحلون أو يرحلون يوما وفي القلب
لهم حديث وشوق
واحذروا أن تَخِيطُوا جراحكم قبل
تنظيفها من الداخل..
ناقشوا.. وبرروا
واشـرحوا.. واعترفوا

فالحياة قصيرة جدا لا تستحق الحقد، والحسد، والبغض ، وقطع الرحم
غدا ستكونون ذكرى فقط.. والموت لا يستأذن.

ابتسموا وسامحوا من أساء إليكم ♥ (41)


اللهم إنا قد عفونا عن من ظلمنا رجاءَ أن تعفو عنا ، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا ، والحمد لله رب العالمين ،
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقاييس ابن فارس (4/ 385 ، 386) .
(2) صحيح رواه النسائي في الكبرى (10651) (9/ 325) والحميدي (2) (1/ 149) وغيرهما .
(3) مقاييس اللغة بتصرف (4/ 56 : 60) .
(4) صحيح رواه الترمذي بهذا اللفظ (3513) (5/534) ، وابن ماجه (3850) (2/1265) وغيرهما ، وزيادة كريم وردت في روايات أخرى لا تصح (انظر تحقيقي على البيان في فضائل العفو والإحسان) .
(5) رواه البخاري (7416) (9/ 123) ومسلم (1499) (2/ 1136) قال الشيخ محمد عبد الباقي - رحمه الله - : "هو بكسر الفاء أي غير ضارب بصفح السيف وهو جانبه بل أضربه بحده وفي النهاية رواية كسر الفاء من مصفح وفتحها فمن فتح جعلها وصفا للسيف وحالا منه ومن كسر جعلها وصفا للضارب وحالا منه" .
(6) مقاييس اللغة (3/ 293) بتصرف . وانظر الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (1/ 235 ، 236) بتصرف . وانظر رسالة البيان في فضائل العفو والإحسان للدكتور يوسف قناوي بتحقيقي .
(7) رواه البخاري (6116) (8/28).

(*) رواه الطبراني في معجمه الأوسط ، وقال الألباني: "حسن لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(453) عن خطبة ثلاثت منجيات :
http://www.alimam.ws/ref/1282
(8) (شرح النووية 1/183) .
(9) البيان للدكتور يوسف قناوي (22 : 23) نقلا عن د/حسان شمسي باشا، وانظر ما سطره رائد التنمية البشرية في العالم العربي أستاذنا د/إبراهيم الفقي - رحمه الله - في كتبه كالتسامح والحب وأيقظ قواك الخفية وقوة الطاقة البشرية .
(10) حسن رواه أبو داود (4777) والترمذي (2021) ،(2493) .
(11) مسلم (17) (1/ 48) .
(12) حسن ، رواه ابن ماجه (4187) (2/ 1401) وأحمد (39/ 490) وغيرهما .
(13) صحيح ، رواه البخاري في الأدب (584) (1/ 205) وابن أبي شيبة (25342) (5/ 212) وغيرهما .
(14) ولم أؤخر الاستدلال بالمنقول إلا من باب انسجام الكلام وحسن الختام .
(15) أثر حسن رواه الواقدي في مغازيه (2/835) ، والبيهقي في دلائل النبوة (5/57-58) ، والبَلَاذُري في فتوح البلدان (1/50) ، ونقله أبو الطيب الفاسي عن الأزرقي بإسناده (1/57) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (73/53) .
(16) البخاري (4280) (5/ 146) .
(17) انظر ما رواه البيهقي في السنن الصغير (2896) (3/ 407) والأُمَوي في المغازي نقلا عن ابن حجر في الفتح (8/ 8 ، 9) ، وانظر مقال د/ هند شريفي - حفظها الله - : http://www.alukah.net/sharia/0/80655/
(18) حسن ، رواه الأموي وانظر مغازي الواقدي (2/ 822) وابن سيد الناس في عيون الأثر (2/ 221) وإمتاع الإسماع للمقريزي (1/ 383) ، (8/ 386) .
(19) صحيح ، رواه الترمذي (2509) (4/ 663) والبخاري في الأدب (303) (1/ 155) وغيرهما ، وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ الحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» ، وهذا اللفظ لا يصح في هذا الحديث ، وإنما صح في حديث آخر : عن الزُّبَيْرِ – رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ " . حسن ، الترمذي (2510) (4/ 664) وأحمد (1430) (3/ 43) وغيرهما .
(20) حسن ، رواه أحمد (6540) (11/ 99) وعبد بن حُمَيْدٍ (320) (1/ 265) وغيرهما .
(21) رواه معمر بن راشد (20267) (11/ 180) وأبو داود في الزهد (232) (1/ 211) وغيرهما .
(22) عقيلة أتراب القصائد للإمام أبي القاسم الشاطبي – بيت رقم 287 ، 288 ، "وزرا" الوزر الملجأ كما قال ابن قتيبةَ ، وأصل الوَزَر: الجبل الذي يمتنع فيه . "عزمات" جمع عزْمة ، وهي الحق . "مُتَّئِرًا" اسم فاعل من الثأر ؛ أي آخذا بثأره . والمعنى : من عاب شخصًا معتذرا بعد اعتذاره فلا ملجأ ينجيه من حقوق لوم المعتذر ثائرًا عليه يوم القيامة مطالبًا بحقه ؛ لما أساء إليه اللائم في الدنيا .
(23) البخاري (6780) (8/ 158) .
(24) رواه ابن المبارك في الزهد (896) (1/ 313) وعبد الرزاق في جامع معمر (20266) (11/ 179) وغيرهما .
(25) حسن ، رواه عبد بن حميد في المنتخب (674) (1/ 225) والطبراني في الأوسط (5884) (6/ 89) وغيرهما .
(26) علي بن الجهم من شعراء العصر العباسي .
(27) مقامات الحريري (1/ 229 : 230) .
(28) رواه البيهقي في الشعب (7851) .
(29) زاد المسير (1/ 137) .
(30) كما أشار إلى ذلك فضيلته في هذه الحلقة المسجلة :
https://www.youtube.com/watch?v=PE3Pfet5WEY
(31) البخاري (2077) (3/ 57) ومسلم (1560) (3/ 1195) .
(32) البيان للدكتور يوسف قناوي - حفظه الله - (65) .
(33) الموسوعة العالمية للشعر العربي ، قصيدة رقم 8428 ، للمزيد تابع الرابط :
http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=8428
(34) قلت ، وهو حسن لغيره . رواه بن جرير الطبري في تفسيره (15547 ، 15548) (13/330) ، وابن أبي حاتم في تفسيره (8682 ، 8683) (5/1638) وغيرهما وانظر البيان في فضائل العفو والإحسان للدكتور يوسف قناوي – حفظه الله – ، وانظر كتابي الأربعين النبوية (182) .
(35) البخاري (4642) (6/ 60) .
(36) الرياض الناضرة للشيخ أحمد دخان (525) .
(37) البخاري (7046) (9/ 43) ومسلم (2269) (4/ 1777) .
(38) البخاري (602) (1/ 124) ، (3581) (4/ 194) ، (6140 ، 6141) (8/ 33) ومسلم (2057) (3/ 1627 ، 1628) .
(39) طيبة النشر بيت رقم 812 .
(40) البخاري (4750) (6/ 101) .
(41) أديب الفقهاء وفقيه الأدباء الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - من أحد مقالاته الرائعة .


الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©