موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة تسلية البرية (طرائف أدبية) - أصعقت العتاريف ؟!

بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي - (ت 1418 هـ) رحمه الله - : "وكانوا يضربون لنا المثل قديماً بعلقمة النحوي وكان مشهوراً في النحو والألفاظ واللغة، ويتقعر في استخدام الكلمات، ولا يتكلم إلا باللغة الفصيحة الشاذة التي لا يعرفها الناس، وكان عند علقمة خادم، فمرض علقمة النحوي مرة وذهب إلى طبيب اسمه «أعجز» ليشكو له علة عنده، وقال علقمة للطبيب: قد أكلت من لحوم هذه الجوازىء فقصأت منها قصأة أصابني منها وجع من الوابية إلى دأبة العنق، ولم يزل يمني حتى خالط الخلب وأملت منه السراسيب. ولم يكن الطبيب متخصصاً في اللغة ولا معاجم عنده، فوقف مستغرباً من كلمات علقمة وقال له: أعدْ عليَّ ما قلته فإني لم أفهم، فأعاد علقمة عليه ما قاله بغضب ولوم لأنه لم يفهم لغته، وعرف الطبيب تقعر علقمة فقال له: هات القلم والورقة لأكتب لك الدواء، وكتب له: خذ حرقة وسلقة ورهرقة واغسله بماروس واشربه بماء ماء. فقال علقمة: أعِدْ عليَّ فوالله ما فهمت شيئاً، فقال الطبيب: لعن الله أقلَّنا إفهاماً لصاحبه. وعرف علقمة أنه متقعر في اللغة ويأتي بألفاظ ليست من الألفاظ الدائرة على ألسن الناس. وقال أساتذتنا لنا: ولم يؤدبه عن هذا إلا غلامه أي خادمه، فقد استيقظ علقمة ذات ليلة وقال: يا غلام أصعقت العتاريف، ولأن الغلام لم يفهم فقد رد قائلاً: زقفيلا، وقال علقمة للغلام: وما زقفيل؟ قال: وأنت ما أصعقت العتاريف؟ فقال له: يا بني لقد أردت أصاحت الديكة؟ فقال: وأنا أردت لم تَصِحْ". (*) 
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) تفسير الشعراوي (8 / 5037) ، وسبب ذكر هذه الفكاهة ما أورده الشيخ - رحمه الله - في تفسير قول الله تعالى "ذلك قولهم بأفواههم" ، قال : "{ذلك قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} . ونسأل: وهل يوجد قول بغير أفواه؟ إن كل قول إنما يكون بالأفواه؛ حتى قول المؤمنين بأن الله واحد وأن محمداً رسول الله هو قول بالأفواه. ونقول: هناك قول بالفم فقط دون أن يكون له معنى من المعاني، وهناك قول بالفم أيضاً وله معنى، إلا أنه غير حقيقي، وكاذب. 
 ولنعرف أولاً: ما هو القول؟ إنه كلام يعبر به كل قوم عن أغراضهم؛ كأن تقول للطفل: اجلس، ولا بد أن يكون الطفل فاهماً لمعنى الجلوس، وإن قلتها بالعربية لطفل إنجليزي فلن يفهم معناها.
إذن: فاللغة ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، والغرض هو معنى متفق عليه بين المتكلم والسامع، ولا بد أن يعرف الاثنان ما يشير إليه اللفظ من موضوعات. فإن لم يعرف السامع اللفظ الذي يتكلم به المتكلم فهو لا يفهم شيئاً.
وهكذا نعلم أن الفهم بين المتكلم والمخاطب يشترط فيه أن يكونا عليمين باللفظ، فإذا تكلم متكلم بشيء لا علم للسامع به؛ فهو لا يفهم". ثم ذكر القصة وقال : "
وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى: {ذلك قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} إذن: القول هو اللفظ الملفوظ من الفم، وهذا القول إما أن يكون له معنى، وإما ليس له معنى. مثل كلمة «زقفيل» التي قالها خادم علقمة، هذه الكلمة ليس لها وجود في اللغة فهي قول باللسان ليس له معنى. وقد يكون القول له معنى؛ إلا أنه كلام باللسان لا يؤيده واقع، فهو كذب.

وقول الحق سبحانه وتعالى: {ذلك قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} يحتمل الأمرين. إما أنهم يقولون كلاماً لا يقصدونه ولا يعرفون معنى ما يقولون، والمثال: أن نقول: «كتب» ، وهي كلمة مكونة من الكاف والتاء والباء، ويمكن أن نستخدم ذات الحروف فنقول: «كبت» وهي نفس الحروف أيضاً ولها معنى.
أو نقول: «تكب» وهو لفظ غير مستعمل، وهو كلام بالفم ولا معنى له في اللغة، بل هو لفظ مهمل. فإذا قال إنسان كلاماً له معنى فهمناه مثل قول: «زيد كان بالأمس بالمكان الفلاني» وهنا زيد معلوم، والمكان معلوم، وأمس معلوم. لكن زيداً لم يذهب إلى ذلك المكان، وبذلك يكون القول في حقيقته كذباً لم يحدث. ويكون كلاماً بالفم، ولا واقع له في الحياة.
إذن: فالقول بالفم إما أن يكون لا معنى له أبداً، فيستعمل كلفظ مهمل لا وجود له في اللغة، وإما أن يكون له معنى في ذاته إلا أنه ليس له واقع يؤيده".انتهى ، وبالله التوفيق .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©