موضوع عشوائي

آخر المواضيع

خواطر إيمانية في بلاد المغرب - توطئة

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فيقول الله - تعالى - في كتابه العظيم : 
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى)) (الحجرات 13) ، "من آدم وحواء عليهما السلام أو خلقنا كل واحد منكم من اب وأم فالكل سوآء في الانتساب الى ذكر وأنثى أيا كانا فلا وجه للتفاخر بالنسب ،
النَّاسُ مِنْ جِهَـةِ التَّمْثِيـلِ أَكْفَـاءُ ... أَبُـوْهُــمُ آدَمُ والأُمُّ حَـــوَّاءُ
نَفْـسٌ كَنَفْـسٍ وأرواحٌ مُشاكلَـةٌ ... وأَعْظُمٌ خُلِقَـتْ فيـها وأعضـاءُ
  فإنْ يَكُنْ لهُمُ مِنْ أَصْلِهـم شَـرَفٌ... يُفاخِـرونَ بـهِ فالطِّيْـنُ والـماءُ (1)


((وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ))
قال ابن فارس - (ت 395 هـ) رحمه الله - :
"(شَعِبَ) الشِّينُ وَالْعَيْنُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ مُخْتَلِفَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الِافْتِرَاقِ، وَالْآخَرُ عَلَى الِاجْتِمَاعِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مِنْ بَابِ الْأَضْدَادِ (الْخَلِيلُ ومن وافقه) . وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْأَضْدَادِ، إِنَّمَا هِيَ لُغَاتٌ". (2)

قال الشيخ إسماعيل حقي - (ت 1127 هـ) رحمه الله - : "وسميت الشعوب لأن القبائل تتشعب منها كتشعب أغصان الشجرة وسميت القبائل لأنها يقبل بعضها على بعض من حيث كونها من أب واحد ، وقيل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب والأسباط من بنى إسرائيل والشعوب من قحطان والقبائل من عدنان .
 ((لِتَعارَفُوا)) أصله لتتعارفوا حذفت إحدى التاءين أى ليعرف بعضكم بعضا بحسب الأنساب فلا يعتزى أحد إلى غير آبائه لا لتتفاخروا بالآباء والقبائل وتدعوا التفاوت والتفاضل في الأنساب .
 ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ)) تعليل للنهى عن التفاخر بالأنساب المستفاد من الكلام بطريق الاستئناف التحقيقى كأن قيل إن الأكرم عنده تعالى هو الأتقى وإن كان عبدا حبشيا أسود مثل بلال ؛ فإن فاخرتم ففاخروا بالتقوى وبفضل الله ورحمته ، بل بالله تعالى ، ألا ترى الى قوله - عليه السلام - "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" أى ليس الفخر لى بالسيادة والرسالة بل العبودية فانها شرف أى شرف ، وكفى شرفا تقديم العبد على الرسول في قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
 ((إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ)) بكم وبأعمالكم ((خَبِيرٌ)) ببواطن أحوالكم" (3)
 وبعد ، فكثيرا ما جال بخاطري قول الشيخ علي الطنطاوي - (ت 1420) رحمه الله - (4) : "اكتبوا مذكراتكم ؛ فإنما الحياة الذكريات" ، وكنت أعلل امتناعي عن الكتابة بكثرة المشاغل ، ووالله إن المرء ليرى في حياته من الدروس والعبر ما لو كتب لملأ مجلدات ، يرجى أن ينتفع به الناس بإذن الله ، لكن أنَّى لي بالوقت ، والأولويات تزيد على ساعات اليوم والليلة أضعاف أضعاف ، مع ما يعترينا كبشر من كسل وفتور وانشغال بأمور المعاش والمعاد ، والله المستعان .
ومع ذلك عزمت على تدوين بعض ما أذكره ، ولتكن البداية من حيث انتهيت ، رحلة المغرب ، التي أرجو أن يختم الله بعدها بخير.
وهذا النوع من الأدب ، وإن كانوا يسمونه بأدب الرحلات ، فإني أصر على صبغه بصبغة القرآن والإيمان ؛ إذ لا طعم للحياة بغيرهما ، وسيرى القارئ الكريم - بإذن الله - في هذه السلسلة نماذج من الحياة المغربية ، ولا أظن أني سأذكر سلبيات ؛ لأني تعلمت أن أنظر إلى النصف المملوء ، وعَيْنُ الرضا عن كل عيب كليلةٌ ... لكنَّ عينَ السُّخْطِ تُبدي المساويا
 وبالله التوفيق ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أبيات تنسب للإمام علي بن أبي طالب - (ت 40 هـ) رضي الله عنه - ومنها أيضًا :
وإِنَّمـا أُمَّهـاتُ النَّـاسِ أَوْعِيَـةٌ ... مُسْتَودعـاتٌ وللأَحْسَـابِ آبـاءُ  
 لاعيبَ للمرءِ فيما أن تَكون لهُ ... أمٌ من الرومِ أمْ سوداءُ دعجاءُ
 فَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ ... مُسْتَوْدَعَاتٌ وَلِلْأَحْسَابِ آبَاءُ 
ورُبّ واضحةٍ ليست بمنجبةٍ ... ورُبّما أَنجبتْ للفحلِ عجماءُ
 ما الفَضْلُ إلاَّ لأَهْلِ العِلْـمِ إنَّهُـمُ ... عَلَى الهُدَى لِمَـنِ اسْتَهْـدَى أَدِلاَّءُ 
وقِيمةُ الـمرْءِ مَا قَدْ كان يُحْسِنُـه ... وللرِجَالِ علـى الأفعـالِ أَسْمـاءُ 
وضدُّ كلِّ امرىءٍ ما كَانَ يَجْهَلُـه ... والجَاهِلونَ لأَهْـلِ العِلْـمِ أَعْـدَاءُ 
وإنْ أَتَيْتَ بُجُودٍ من ذوي نَسَـبٍ ... فـإنَّ نسبَتَنَـا جُــودٌ وعَلْيَـاءُ 
ففُزْ بِعِلْمٍ ولاَ تَطْلُـبْ بـهِ بَـدلاً ... فالناسُ مَوْتى وأَهْلُ العِلْـمِ أَحْيـاءُ  
 (2) وَيُقَالُ الشَّعْبُ: الْحَيُّ الْعَظِيمُ. قَالُوا: وَمَشْعَبُ الْحَقِّ: طَرِيقُهُ. وَيُقَالُ: انْشَعَبَتْ بِهِمُ الطُّرُقُ، إِذَا تَفَرَّقَتْ، وَانْشَعَبَتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ. وَيُقَالُ ظَبْيٌ أَشْعَبُ، إِذَا تَفَرَّقَ قَرْنَاهُ فَتَبَايَنَا بَيْنُونَةً شَدِيدَةً. وَالشِّعْبُ: مَا انْفَرَجَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. وَشَعُوبُ: الْمَنِيَّةُ ; لِأَنَّهَا تَشْعَبُ، أَيْ تُفَرِّقُ. وَيُقَالُ شَعِبَتْهُمُ الْمَنِيَّةُ فَانْشَعَبُوا، أَيْ فَرَّقَتْهُمْ فَافْتَرَقُوا. وَالشَّعِيبُ: السِّقَاءُ الْبَالِي، وَإِنَّمَا سُمِّيَ شَعِيبًا لِأَنَّهُ يَشْعَبُ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ، أَيْ لَا يَحْفَظُهُ بَلْ يُسِيلُهُ.قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: " وَسُمِّيَ شَعْبَانُ لِتَشَعُّبِهِمْ فِيهِ، وَهُوَ تَفَرُّقُهُمْ فِي طَلَبِ الْمِيَاهِ ". وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا هَذِهِ الْفُتْيَا الَّتِي شَعَّبَتِ النَّاسَ؟» . أَيْ فَرَّقَتْهُمْ.
وَأَمَّا الْبَابُ الْآخَرُ فَقَوْلُهُمْ شَعَبَ الصَّدْعَ، إِذَا لَاءَمَهُ. وَشَعَبَ الْعُسَّ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَيُقَالُ لِلْمِثْقَبِ الْمِشْعَبُ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّعْبُ الَّذِي فِي بَابِ الْقَبَائِلِ سُمِّيَ لِلِاجْتِمَاعِ وَالِائْتِلَافِ. وَيَقُولُونَ: تَفَرَّقَ شَعْبُ بَنِي فُلَانٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاجْتِمَاعِ.  
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشَتَقًّا شَعَبْعَبُ،  وَشُعَبَى موضعان .
 باختصار من معجم مقاييس اللغة للإمام  أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي (ت 395هـ) - ت/ أ-عبد السلام محمد هارون - ط: دار الفكر- (1399هـ - 1979م)(3 /  190 : 192) .(3) كذا قال الشيخ إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء (ت 1127هـ) في روح البيان - دار الفكر - بيروت (9 / 90 ، 91) من بداية تفسير الآية بالأعلى ، قال : "والشعب بفتح الشين الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة بكسر العين تجمع البطون والبطون تجمع الأفخاذ والفخذ تجمع الفصائل والفصيلة تجمع العشائر وليس بعد العشيرة حى يوصف به ، فخزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة .
(4) للمزيد تابع سيرته - رحمه الله - في الرابط : http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%86%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%8A

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©