موضوع عشوائي

آخر المواضيع

رسالة إلى الفنانات (وفيه حوار مع شمس البارودي)

بسم الله الرحمن الرحيم
بينما أقلب نظري في بعض القنوات الفضائية رأيت مشهدا لفيلم عربي مصري فيه تصوير تمثيلي للعلاقة الحميمة التي من المفترض أن تكون بين الزوجين في حلال وستر ، وتبين أن الفيلم عن علاقة فتاة ليل ببعض الشباب (*) ، فرأيت أنه من الواجب عليّ أن أوجه رسالة لكل الأخوات الفنانات سائلا الله تعالى أن يوفقهن إلى سواء السبيل . وبالله التوفيق .
رسالة إلى الفنانات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين خلق الإنسان من ماء مهين فسواه وجعله بشرا في أحسن تقويم

(( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا )) (الفرقان : 54) ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين (( وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )) (النور : 54) ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ...
فيا أيتها الفنانات المسلمات ، يا من حباكن الله جمالا وأسبغ عليكن نعمًا كثيرة ظاهرة وباطنة ، يقول الله سبحانه :- (( اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ . وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ )) (إبراهيم / 32 : 34) بل وآتانا الله من كل شيء من غير أن نسأله شيئا ؛ فهو المنان سبحانه يجود بالنوال قبل السؤال ، ويعطي عطاءً بلا حدود ، ويغفر ذنوب العباد ويجود ؛ فهو سبحانه بحق الخالق المعبود ، أنقل إليكن صورة من عظمة الله وكرمه ؛ يقول الله تعالى في الحديث القدسي :- «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ». (1)
لماذا خلق الله الإنسان ؟
أيتها المسلمات الكريمات : لا شك أنكن تذكرن قول الله تعالى :- (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) (الذاريات : 56) إن الله تعالى خلق الإنسان لغايتين هما : العبادة وعمارة الأرض ، أما الغاية الأولى ((العبادة)) فإنها ليست قاصرة على الصلاة والصيام والصدقة بل هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :- «إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» . (2) ، أرأيتن ؟! حتى البُضع يعني العلاقة الحميمة بين الرجل وزوجته صدقة ، وبهذا المفهوم تتحول حياة المسلمة كلها إلى عبادة بشرط أن تكون في مرضاة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ وإنما الأعمال بالنيات ، فالنية الصالحة تحول العادة إلى عبادة ، والنية الفاسدة تحول العبادة إلى عادة ؛ فعادة المؤمن عبادة ، وعبادة المنافق عادة ؛ ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يَحْيَوْنَ بهذا المعنى كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي . (3) ، يرجو الثواب من الله تعالى على النوم كما يرجو منه الثواب على اليقظة . لماذا ؟! لأنه في طاعة الله ؛ فما أجمل الحياة في طاعة الله .
غذاء البدن وغذاء الروح
أختي الكريمة إن الإنسان لا يستطيع أن يحيا في هذا الكون إلا بالغذاء والكساء ، ومن حكمة الله تعالى أن جعل للبدن غذاءً وهو الطعام والشراب ، وجعل للروح غذاءً وهو ذكر الله وعبادته ، فالقلوب لا تحيى إلا بذكر الله ، أما تذكرين قول الله تعالى :- (( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )) (الرعد : 28) ، ويقول الله تعالى عن القرآن العظيم :- (( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا )) (الشورى : 52) ، فمن أحياه الله بهذا القرآن فهو حيّ وإن حُبِست منه الأعضاء ، ومن عاش في الضلالة فهو ميت وإن تحرك بين الأحياء :- (( أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا )) (الأنعام : 122) ، «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» هكذا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
(4)
وأما الكساء فقد أنزل الله لباسيْن لباس الأبدان ولباس الجنان (القلب) ، أرجو أن تتدبري هذه الآيات الكريمات ، يقول الله تعالى :-
(( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )) (الأعراف : 26)
وصدق من قال :
إذا المرء لم يلبس ثيابًا من التقى ... تجرد عريانا وإن كان كاسيًا
وخير ثياب المرء طـاعـة ربه ... ولا خير فيمن كان لله عاصيًا

؛ ثم يقول الله تعالى :-
(( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ )) (الأعراف : 27) .
ولكن هل نجح الشيطان في مخططه من كشف العورات ونزع أثواب الحياء ؟! نعم نجح نجاحًا مبهرًا ؛ فكم من الفتيات المسلمات وغير المسلمات نزعن ثيابهن بعضها أو كلها تحت عدسات الكاميرات الشخصية أحيانا والتلفزيونية أحيانا بل والعالمية أحيانا أخرى .
؛ ثم يقول الله تعالى :-
(( وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )) (الأعراف : 28) .

ما أشبه الليلة بالبارحة كثيرًا ما رأينا من يبررون أعمالهم المخالفة لشرع الله بقولهم : لقد وجدنا آبائنا على هذا ، لقد تربينا على هذا ، سبحان الله !!! وهل هذا هو مقياس صحة العمل وصلاحه ؟! يقول ابن مسعود رضي الله عنه :- «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ سُنَّةً فَإِذَا غُيِّرَتْ، قَالُوا: غُيِّرَتِ السُّنَّةُ ؟ " قِيلٌ: مَتَى ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: «إِذَا كَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ، وَكَثُرَتْ أَمْوَالُكُمْ، وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ، وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ» .
(5)
ثم يوضح الله تعالى معالم الطريق المستقيم فيقول :-
(( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ . فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ )) (الأعراف : 30،29) . نسأل الله الهداية والتوفيق .
هل تحبين الله تعالى ؟
نعم أشهد بذلك ، وليس معنى الإفراط أو التفريط أنك لا تحبين الله ، لقد علمنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وفي رواية قال : «لاَ تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ» .
(6)

ولكن أختي الفاضلة الحب ليس كلامًا تنطقه الشفة ويلوكه اللسان ، والروح عنهما في صمم ، بل الحب أسمى من ذلك وأعلى، الحب موطنه القلب ، والقلب محل نظر الرب ، القلب باب الروح ، فإذا سَلِم القلب من الشك والشرك ، والنفاق والرياء ، والعجب والكبرياء ؛ كان بذلك مؤهلاً لاستقبال أنوار الله عز وجل ؛ فالقلب السليم مشكاة فيها مصباح يعكس ضيائه على أقوال العبد وأفعاله ؛ فيكون قوله نورا وفعله نورا ، (( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ )) (النور : 40) وللحب دواعي لعل أهمها الإحسان ؛ فنحن نحب الله تعالى الذي أنعم علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى ، وهو القائل : (( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ )) (النحل : 53) .
والذي يستحق الشكر بعد الله سبحانه هو النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي تحمل الصعاب ، وذاق أمر العذاب ؛ حتى يبلغنا النور الذي أوحى إليه بكل صفاء ونقاء ، وصدق ووفاء ؛ ليخرجنا من الظلمات إلى النور ، وينجينا من النار إلى الجنة بإذن الله ؛ فالمنة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، فهل أدينا شكر هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى ؟!

وأما الغاية الثانية لخلق الإنسان فهي ((عمارة الأرض)) كما قال الله تعالى :- (( هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا )) (هود : 61) أي أمركم بعمارة الأرض ، وعمارة الأرض تكون بإصلاحها واستخدام كل المواد الصالحة فيها ؛ لتكون حياة كريمة صالحة تجمع بين جمال الدنيا وروح الدين ؛ وما أجمل قول القائل :- (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) ؛ أن تجمعي بين الدنيا والدين ، وعملك الدائم في طاعة الله في الدنيا إنما هو سبيل إلى رضوان الله في الآخرة ، (( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) (التوبة : 105) ويقول تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا )) (الكهف : 30)
وليس من عمارة الأرض الفن الذي يثير الشهوات ويحرك الغرائز ، مهما كانت الغايات ؛ فالغاية لا تبرر الوسيلة ، ستسألين يا أختاه عن هذا الجسد المكرم فهو وديعة أعطاك الله إياها ، هل أحسنت استخدامه في ما خلق من أجله في الحلال ، أم وقعت في شباك الشيطان عياذًا بالله ، إنه يتبرأ من اتباعه يوم القيامة : (( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (إبراهيم : 22) .
أختي المسلمة ليست كثرة المال دليلا على حب الله للعبد فإن الكفار من أكثر الناس مالا ، وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ " ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] .
(7)
ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ " .
(8)
أما تحبين أن تكوني ممن يحبهم الله تعالى ؟! ها هو القرآن الكريم كلام الله الخالق سبحانه ،
يقول الله تعالى :- ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (آل عمران : 31) . وفي هذا يقول بعض الصالحين :
تعصى الإله وأنت تظهر حبـه ... هذا وربي في القياس شنيع
لو كان حبك صـادقا لأطعـته ... إن المحب لمن يحب مطيع

أختي الكريمة الإنسان يعيش الحاضر وهو محاط بشيئين هما الخوف والحزن : الخوف من المستقبل المجهول بما فيه من موت وما بعده من نعيم أو جحيم ، ورحمة أو عقاب أليم . والحزن على الماضي بما فيه من إفراط في الذنوب أو تفريط في الطاعات ، ولكن أبشري فبطاعة الله لا خوف من المستقبل ولا حزن على الماضي ؛ قال الله تعالى :- (( فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ )) (البقرة : 38) ، ويقول سبحانه :- ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)) (طه : 123) .
قال الحسن البصري رحمه الله : طلبت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة فأعيتني فلزمت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال : كان يقول في خطبته يوم الجمعة : يا أيها الناس إن لكم علما فانتهوا إلى علمكم ، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم . وإن المؤمن بين مخافتين : بين أجل قد مضى لا يدري كيف يصنع الله عز وجل فيه وبين أجل قد بقي لا يدري كيف الله صانع فيه . فليتزود المرء لنفسه من نفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشباب قبل الهرم ومن الصحة قبل السقم.فإنكم خلقتم للآخرة* والدنيا خلقت لكم . والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ، وأستغفر الله عز وجل لي ولكم .
(9)
الحياة بهدف نبيل مشروع والسعادة الحقيقية (10)
ما أجمل أن نحيا في هذه الحياة ؛ لتحقيق هدف عالٍ يرضاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ما أكثر الأهداف ، منها ما هو دنيوي محض لا يخدم صاحبه بل يخدم بعض الناس ويسعدهم ويجذب قلوبهم وشهواتهم ثم يموت صاحبه فيلقى الحساب الشديد والعقاب الأليم على ما جنته يداه ، رغم أنه أفنى حياته في سعيه المعهود وهدفه المنشود ، (( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ )) (الحج : 10) ، ما ضرَّ لو كان الهدف نبيلا وساميًا وكانت وسائله مشروعة ، والإسلام لم يُحَجِّرْ واسعًا ، بل أحلّ الكثير وحرّم القليل ، ولم يجعل دواء الأمة فيما حرم عليها ، (( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )) (الحج : 78) ، وسعادة العبد الحقيقة تكمن في حرصه على تحقيق هدفه الرشيد ، ما أجمل أن تقابلي الله تعالى بقلب سليم ، وتتمتعي بالحديث مع الله عزّ وجلّ ورؤية وجهه الكريم ، هل فكرت يومًا في هذا ؟! هل فكرت في نعيم الجنة ؟! هل تذكرت عذاب النار ؟! هل شعرت بالسعادة الحقيقية والرضى عن النفس ؟! أم أنها السعادة الزائفة المقترنة ببريق المال والشهرة وسرعان ما تزول بزوالهما ، يقول الله تعالى :- (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) (النحل : 97) مفتاح سعادتك معك – أختي المسلمة - إنه الإيمان بالله وطاعته ، إن للإيمان حلاوة من طرق الوصول إليها : " أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيكِ مِمَّا سِوَاهُمَا " (11) فهل أنت على استعداد لهذا ؟! من ترك شيئا لله عوضه الله خيرًا منه .
إن مادة (أُسْعِدَ) أو (سَعِدَ) لم ترد في القرآن الكريم كلّه إلا مرة واحدة ، يقول الله سبحانه :- ((وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا )) (هود : 108) ؛ لأن سعادة الدنيا غير كاملة ، سعادة منغصة بالهموم والأحزان ، سعادة يشوبها الخوف والقلق وسرعة الانقضاء ، وأما السعادة في الجنة فكما قال الله تعالى :- ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا . خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا )) (الكهف : 108،107) أحيانا يمتلك الإنسان قصرا فاخرًا ومع مرور الأيام وانقضاء السنين يملّ منه ، ويريد التحول إلى غيره ، وأما جنة رب العالمين لا ملل فيها ، يقول الله تعالى:- «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» .
(12) ، ويقول الله تعالى :- (( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ )) (محمد : 15) قال ابن عباس رضي الله عنهما : " ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء " . (13)
، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الجنة :- «لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ (والمِلاطُ: طلاء البناء والحائط) ، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ (والحصباء : الحصى الصغيرة) ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ» .
(14)
إذا قامت حياة المسلم بهذا الأسلوب فإنه إن أصابه همّ أو غمّ سيلجأ إلى الله تعالى بل ويعلم أن هذا تكفير عن سيئاته وزيادة في حسناته ورفعة في درجاته ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ (تعب) وَلاَ وَصَبٍ (مرض)، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» .
(15) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا ." (16) ما شاء الله هكذا يكون المؤمن . بخلاف غير المؤمنين فإنهم يلجئون إلى الانتحار فمثلا في سويسرا هناك 3-4 أشخاص يقومون بالانتحار يومياً ؛ أي حوالي 1400 في العام ، وهذا العدد يمثِّـل ما نسبته 19.1 فرد لكل 100.000 من السكان ، وتعود نسبة أكثر من 90٪ من جميع حالات الإنتحار إلى أمراضٍ نفسية ؛ يعني ليس الانتحار لقلة المال والمتع ، بل الانتحار بسبب انعدام غذاء الروح ، وهو الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه ؛ قال الله تعالى :- (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى . وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى )) (طه / 127:124) .
هل الفن حرام ؟!


(*) وليس معنى هذا أني شاهدت الفيلم ، وإنما بحثت حتى عرفت قصة الفيلم بدون مشاهدته ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ؟ فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَكَ» . صحيح رواه أبو داود وأحمد وغيرهما .
(1) رواه مسلم .

(2) رواه مسلم .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(4) رواه البخاري ومسلم .
(5) أثر صحيح رواه الحاكم والدارمي وغيرهما .
(6) رواه البخاري .
(7) صحيح رواه أحمد والطبراني وغيرهما .
(8) رواه ابن ابي شيبة وأحمد وغيرهما .

(9) حديث ضعيف أخرجه البيهقي في الشعب من حديث الحسن عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه انقطاع لكن معناه صحيح .
(10) كنت قد كتبت في هذا الموضوع بشيء من التفصيل في الرابط :
http://www.zdnyilma.com/vb/index.php?page=to pic&show=1&id=77&count=36#2737 ومن جميل القدر أنه كان أول درس لي في مسجد كان عن السعادة ، ومنذ عرفت هذا الطريق لم أبرح السعادة يومًا إلا بمقدار تقصيري في طاعة الله سبحانه ؛ فنسأل الله أن يجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة .
(11) قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " . رواه البخاري ومسلم .

(12) رواه البخاري ومسلم .
(13) صحيح رواه هناد والطبري وغيرهما .

(14) صحيح رواه الترمذي والطيالسي وغيرهما .
(15) رواه البخاري ومسلم .
(16) صحيح رواه أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما .

ولعلك – بارك الله فيك - تسألين سؤالا هامًا فتقولين : هل الفن حرام ؟! هذا السؤال على إطلاقه لا يجاب عليه على إطلاقه بل فيه تفصيل ، أولاً : قال العلماء إن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين ، وشروط الحجاب أن يكون واسعًا فضفاضًا لا يصفّ ، ولا يشفّ ، وأن لا يبرز مفاتن المرأة ، وأن لا يكون زينةً في نفسه ، وبناءً على هذه المقدمة نستطيع أن نقول إن الفن الذي يعرض على الشاشات والسينمات والمسارح ، وتظهر فيه المرأة المسلمة بشعرها ، وتظهر بعض المواضع من جسدها هو حرام مهما كانت الأسباب ، فالغاية مهما كانت بريئة لا تبرر وسيلةً مخالفةً للشريعةِ ، ثقي وتأكدي تماما أيتها الأخت الكريمة أننا حريصون عليك ونعرف لك قدرك ، فأنت جوهرة مكنونة ودرّة مصونة نحافظ عليك ؛ حتى لا تقعي فريسة في مصائد الشيطان وحبائله وخطواته ، يقول الله تعالى :- ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ )) (النور : 21) ، ويقول سبحانه :- (( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) (البقرة : 268) .
يا درةً حفظت بالأمسِ غاليةً *** واليوم يبغونها للهـوِ واللعبِ
يا حرةً قد أرادوا جعلها أمةً *** غريبةَ العقلِ لكنَّ اسمها عربي
هل يستوي من رسول الله قائده *** دوماً وآخر هاديه أبو لهبِ ؟!
وأين من كانت الزهراءُ أسوتها *** ممن تقفت خطى حمالةَ الحطبِ ؟!

أختاه أما آن للعين أن تدمع ؟! أما آن للنفس أن تقنع ؟! أما آن للأذن أن تسمع ؟! أما آن للقلب أن يخشع ؟! يقول الله تعالى : ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)) (الحديد : 16) لقد كان الفضيل بن عياض فاسقا قاطع طريق ، وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينا هو يرتقي الجدران إليها سمع تالياً يتلو هذه الآية : (
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) ، فقال: يارب قد آن، فرجع وتاب وأناب إلى الله تعالى . (17)
الدنيا مهما طالت فهي قصيرة ، ومهما عظمت فهي حقيرة ، كثيرها حساب وقليلها عذاب ، (( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )) (الزلزلة : 8،7) ، وإذا كان الله سبحانه أمر بغض الأبصار للرجال والنساء على حدّ سواء فقال تعالى :-

(( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) (النور : 31) ؛ فإنه سبحانه أيضا أمر بحفظ الحدود والتزام أوامر الشرع الحنيف واجتناب نواهيه ، فلا يحلّ لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن يمس جسدها جسد رجل لا يحلُّ لها مهما كان الدافع لذلك حتى وإن كان تحت غطاء التمثيل فهو حرام أيضا ، وها هي السيدة عائشة ام المؤمنين رضي الله عنها تقول :- " مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا " رواه البخاري . بل ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول :- «لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ» . (18)
إن كثرة كاثرة من الشباب والشابات في مقتبل العمر قد فُتنوا بهذه المشاهد وما فيها من حب وغرام ، بل وقلدوها بحذافيرها ، وهذا يذكرنا بقول الله تعالى :- (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) (النور : 19) ، ويقول الله تعالى :- (( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ )) (البروج : 10) ، ويقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» . (19)
لقد حرم الله تعالى المجاهرة بالمعاصي فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ " . (20) ، إذا كان هذا في الذي يفعل المعصية ثم يفضح نفسه بالقول ؛ فما بال الذين يفعلون المعاصي جهرا نهارًا أمام أعين الناس ، ويشاهدهم الملايين من البشر ، ألا تحبين أن يغفر الله لك ويعفو عنك ؟! ، ومع ذلك فإن عفو الله أعظم إن تاب العبد توبةً نصوحًا ، تأملي قول الله تعالى :- (( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )) (الفرقان / 70:68)
، هذا نداء رباني لكل المذنبين والمذنبات :-
(( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ . وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ . أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ . أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ . وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ . وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )) (الزمر / 61:53) ، كلنا مذنبون وجاء في الحديث :- «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» . رواه مسلم . هل فكرت في أن الله يحب التائب مهما عظمت ذنوبه ؟! ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)) (البقرة : 222) . لا ينبغي لأحد أن يمدح نفسه ويقول لست محتاجًا إلى مغفرة الله وعفوه ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس استغفارا ، وهو المعصوم الذي لم يذنب ؛ يقول ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما : إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» . (21)
وعن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قال : " قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» . (22)
لماذا لا نتوب ؟!
المال الكثير الذي يأتي من خلال الأعمال الفنية يكون عائقا عند كثير من الأخوات ، ولكن هل تفكرن في أن الله هو الرزاق ، وأن الله قادر على أن يعوضهن خيرا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبْعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ , وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبْعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ , وَإِنَّ الرُّوحَ الْأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي (أي رُوحِي) أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا , فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ , وَلَا يَحْمِلْكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ» . (23)
وكثيرا ما نسمع بعض الأخوات - هداهن الله – يقلن نحن لا نستطيع أن نتوب إلا إن شاء الله لنا ، فادع لنا بالهداية . نعم كلامكن صحيح لن يستطيع إنسان – مهما كان – أن يفعل شيئا إلا بإذن الله ، ولكن أختي الفاضلة إن الله تعالى أعطانا مشيئة وإرادة ، هذه المشيئة مرتبطة بإرادته سبحانه ، قال الله تعالى :- ((وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ)) (الإنسان : 30) ، وعلم الله بالشيء قبل حدوثه ليس دليلا على جبر العبد على الفعل ؛ فإن الله تعالى جعل العبد أمام طريقين ؛ ليختار ما يشاء ، قال الله تعالى :-
((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا )) (الإنسان : 3)
فكم من إنسان أراد الضلالة وسلك سبيلها فزاده الله ضلالا على ضلاله ، حتى إنه يحسب نفسه من المهتدين ، ومن خالفه من الضالين ، قال تعالى :- ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)) (الكهف : 104،103) .وكم من إنسان أراد الهداية وسعى إليها فهداه الله ووفقه ، وجعله بارًا تقيًا بعد أن كان فاجرًا شقيًا ، يقول الله تعالى :- ((قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)) (الرعد : 27) ،ولقد طُرِحَ هذا السؤال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ ، فَقَالَ : «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ العَمَلَ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ» ، ثُمَّ قَرَأَ: (( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )) (الليل / 10:5) . (24)
كيف نتوب من الذنوب ؟
للتوبة شروط ذكرها العلماء مستدلين بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي :
1 - الإقلاع عن المعصية ، ولكن نرى أحيانا من يستغفرون أثناء فعلهم المعاصي ، وهذا لا يقبله الله كما قال العلماء : المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه ، ولا يتحقق هذا الإقلاع إلا باستبدال الصحبة الصالحة بالصحبة السابقة ، وإذا أكرمك الله بترك هذا الطريق وسلوك طريق الهداية فلا تحرمي رفيقاتك في الوسط الفني - سابقًا - من هذه الحلاوة الإيمانية والأنوار الربانية بأن تدعيهن إلى صراط الله المستقيم . والدال على الخير كفاعله . وبالله التوفيق .
2 - الندم ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» . (25)
3- العزم القلبي على عدم العودة إلى الذنب ؛ قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا - وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا - فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ - وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ - فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ - أَوْ أَصَبْتُ - آخَرَ، فَاغْفِرْهُ؟ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا، قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ - أَوْ قَالَ أَذْنَبْتُ - آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ " . (26)
4 - رد المظالم إلى أهلها ؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» . (27)
ويشترط أن تكون التوبة قبل الغرغرة (بلوغ الروح الحلقوم) ، وحينئذ لا يقبل إيمان كافر ولا توبة فاجر ؛ قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (النساء : 17، 18).
وقد ورد في الحديث الشريف: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» . (28) ، وكذلك لا تقبل التوبة إذا طلعت الشمس من مغربها ، كما قال تعالى : ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ)) (الأنعام : 158). وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» . (29)
قال الله تعالى :- ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (التحريم : 8) .
نسأل الله أن يوفقا إلى التوبة النصوح الصافية الخالصة التي لا رجوع بعدها للمعاصي أبدا.
أيتها الأخوات الفاضلات إن المسلمات اليوم في أمس الحاجة إلى تقديم القدوة الطيبة ؛ فما المانع أن تقتدي بأمهات المؤمنين الطاهرات العفيفات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهن من النساء الصالحات رضوان الله عليهن ؛ لتقدمي للمسلمات صورة طيبة مشرقة للأخلاق الحميدة والخصال السديدة :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاح .

أختاه .. لست ببنتٍ لا جذورَ لها *** ولست مقطوعةً مجهولةَ النسبِ
أنتِ ابنة العرب والإسلام عشتِ به *** فى حضن أطهر أمٍ من أعز أبِ
فلا تبالي بما يلقون من شبهٍ *** وعندكِ العقل إن تدعيه يستجبِ
سليه: من أنا؟ ما أهلي؟ لمن نسبي؟ *** للغربِ أم أنا للإسلام والعربِ ؟
لـمن ولائي ؟ لمن حبي؟ لمن عملي *** لله أم لدعاة الإثمِ والكذبِ ؟
سبـيل ربك والقـرآن منهجه *** نورٌ من الله لم يُحجب ولم يغبِ

إن الناس يدخلون كل يوم في دين الله أفواجًا فرحين بجمال وعظمة هذا الدين القويم ، ونحن نتنعم به ولا نشعر بحلاوته . أتدرين لماذا ؟!
لأننا ولدنا وفي أفواهنا حلاوة هذا الدين وكبرنا به ، ومع تعاقب السنين غفلنا عن هذا الدين فذهب طعمه الحلو من أفواهنا ، ولكن هؤلاء الذين هداهم الله للإسلام عاشوا في الملح الأجاج وأَلِفُوه ، حتى إذا جاءت ساعة الهداية التي قدرها الله لهم رأوا هذا الدين الجميل ، واستنشقوا عبيره الذكي ، وعقيدته الصافية ، وآيات إعجازة الباهرة ؛ فجذبهم من كل اتجاه ، فآثروا الدين الحقّ على سائر الأديان فذاقوا حلاوة الإيمان " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " (30)

(17) شيخ الحرم المكيّ، من أكابر العباد الصلحاء. كان ثقة في الحديث، أخذ عنه خلق منهم الإمام الشافعيّ. (أعلام الزركلي) ، "وآواه الليل إلى خربة فإذا فيها رفقة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، فتاب الفضيل وآمنهم. وكان من كبار السادات" ، كذا قال ابن خلكان في وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان .
(18) صحيح رواه الرُّوياني والطبراني وغيرهما .
(19) رواه مسلم .
(20) رواه البخاري .
(21) صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما .
(22) رواه البخاري ومسلم .
(23) صحيح رواه ابن أبي شيبة والبزار وغيرهما ، وفي لفظ ابن ماجه ((فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ)) .
(24) رواه البخاري ومسلم .
(25) رواه ابن ماجه والحاكم وغيرهما .
(26) رواه البخاري ومسلم .
(27) رواه البخاري .
(28) حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما .
(29) رواه مسلم .
(30) رواه البخاري ومسلم .
 
حوار مع شمس البارودي الفنانة المشهورة التائبة
في حوار أجرته إحدى الصحف مع شمس البارودي الممثلة المعروفة التي اعتزلت التمثيل وردّاً على سؤال عن سبب هدايتها قالت: البداية كانت في نشأتي.. والنشأة لها دور مهم. والدي -بفضل الله- رجل متدين، التدين البسيط العادي.. وكذلك كانت والدتي -رحمهما الله- كنت أصلي ولكن ليس بانتظام.. كانت بعض الفروض تفوتني ولم أكن أشعر بفداحة ترك فرض من فروض الصلاة.. وللأسف كانت مادة الدين في المدارس ليست أساسية وبالطبع لم يكن يرسب فيها أحد ولم يكن الدين علماً مثل باقي العلوم الأخرى الدنيوية.. وعندما حصلت على الثانوية العامة كانت رغبتي إما في دخول كلية الحقوق أو دراسة الفنون الجميلة، ولكن المجموع لم يؤهلني لأيهما.. فدخلت معهد الفنون المسرحية، ولم أكمل الدراسة فيه حيث مارست مهنة التمثيل.. وأشعر الآن كأنني دفعت إليها دفعاً.. فلم تكن في يوم من الأيام حلم حياتي ولكن بريق الفن والفنانين والسينما والتليفزيون كان يغري أي فتاة في مثلي سني -كان عمري آنذاك 16-17 سنة- خاصة مع قلة الثقافة الدينية الجيدة. وأثناء عملي بالتمثيل كنت أشعر بشيء في داخلي يرفض العمل حتى أنني كنت أظل عامين أو ثلاثة دون عمل حتى يقول البعض: إنني اعتزلت.. والحمد لله كانت أسرتي ميسورة الحال من الناحية المادية فلم أكن أعمل لحاجة مادية.. وكنت أنفق العائد من عملي على ملابسي ومكياجي وما إلى ذلك.. استمر الوضع حتى شعرت أني لا أجد نفسي في هذا العمل.. وشعرتُ أن جمالي هو الشيء الذي يُستغل في عملي بالتمثيل.. وعندها بدأت أرفض الأدوار التي تُعرض عليً، والتي كانت تركز دائماً على جمالي الذي وهبني الله إياه وعند ذلك قلّ عملي جداً.. كان عملي بالتمثيل أشبه بالغيبوبة.. كنت أشعر أن هناك انفصاماً بين شخصيتي الحقيقية والوضع الذي أنا فيه.. وكنت أجلس أفكر في أعمالي السينمائية التي يراها الجمهور.. ولم أكن أشعر أنها تعبّر عني، وأنها أمر مصطنع، كنت أحسّ أنني أخرج من جلدي. وبدأت أمثل مع زوجي الأستاذ حسن يوسف في أدوار أقرب لنفسي فحدثت لي نقلة طفيفة من أن يكون المضمون لشكلي فقط بل هناك جانب آخر. أثناء ذلك بدأت أواظب على أداء الصلوات بحيث لو تركت فرضاً من الفروض استغفر الله كثيراً بعد أن أصلّيه قضاءً.. وكان ذلك يحزنني كثيراً.. كل ذلك ولم أكن ألتزم بالزي الإسلامي. وقبل أن أتزوج كنتُ أشتري ملابس من أحدث بيوت الأزياء في مصر وبعد أن تزوجت كان زوجي يصحبني للسفر خارج مصر لشراء الملابس الصيفية والشتوية!!.. أتذكر هذا الآن بشيء من الحزن، لأن مثل هذه الأمور التافهة كانت تشغلني. ثم بدأت أشتري ملابس أكثر حشمةً، وإن أعجبني ثوب بكمّ قصير كنت أشتري معه (جاكيت) لستر الجزء الظاهر من الجسم.. كانت هذه رغبة داخلية عندي. وبدأت أشعر برغبة في ارتداء الحجاب ولكن بعض المحيطين بي كانوا يقولون لي: إنكِ الآن أفضل!!!. بدأت أقرأ في المصحف الشريف أكثر.. وحتى تلك الفترة لم أكن قد ختمت القرآن الكريم قراءة، كنت أختمه مع مجموعة من صديقات الدراسة.. ومن فضل الله أنني لم تكن لي صداقات في الوسط الفنـي، بل كانت صداقاتي هي صداقات الطفولة، كنت أجتمع وصديقاتي -حتى بعد أن تزوجت- في شهر رمضان الكريم في بيت واحدة منا نقرأ الكريم ونختمه وللأسف لم تكن منهن من تلتزم بالزي الشرعي. في تلك الفترة كنت أعمل دائماً مع زوجي سواء كان يمثل معي أو يُخرج لي الأدوار التي كنت أمثلها.. وأنا أحكي هذا الآن ليس باعتباره شيئاً جميلاً في نفسي ولكن أتحدث عن فترة زمنية عندما أتذكرها أتمنى لو تمحى من حياتي ولو عدت إلى الوراء لما تمنيت أبداً أن أكون من الوسط الفني!! كنت أتمنى أن أكون مسلمة ملتزمة لأن ذلك هو الحق والله –تعالى- يقول: (وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليَعبدون). كنت عندما أذهب إلى المصيف أتأخر في نزول البحر إلى ما بعد الغروب ومغادرة الجميع للمكان إلا من زوجي، وأنا أقول هذا لأن هناك من تظن أن بينها وبين الالتزام هُوَّةٌ واسعة ولكن الأمر -بفضل الله- سهل وميسور فالله يقول في الحديث القدسي: (ومن تقرب إلىّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلى ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولةً). وكانت قراءاتي في تلك الفترة لبرجسون وسارتر وفرويد وغيرهم من الفلسفات التي لا تقدم ولا تؤخر وكنت أدخل في مناقشات جدلية فلسفية وكانت عندي مكتبة ولكني أحجمت عن هذه القراءات دون سبب ظاهر. كانت عند رغبة قوية في أداء العمرة وكنت أقول في نفسي: إنني لا أستطيع أن أؤدي العمرة إلا إذا ارتديت الحجاب لأنه غير معقول أن أذهب لبيت الله دون أن أكون ملتزمة بالزي الإسلامي.. لكن هناك من قلنَ لي: لا.. أبداً.. هذا ليس شرطاً.. كان ذلك جهلاً منهن بتعاليم الإسلام لأنهن لم يتغير فيهن شيء بعد أدائهن للعمرة. وذهب زوجي لأداء العمرة ولم أذهب معه لخوفي أن تتأخر ابنتي عن الدراسة في فترة غيابي.. ولكنها أصيبت بنزلة شعبية وانتقلت العدوى إلى ابني ثم انتقلت إليّ فصرنا نحن الثلاثة مرضى فنظرت إلى هذا الأمر نظرة فيها تدبر وكأنها عقاب على تأخري عن أداء العمرة. وفي العام التالي ذهبت لأداء العمرة وكان ذلك سنة 1982م في شهر (فبراير) وكنتُ عائدة في (ديسمبر) من باريس وأنا أحمل أحدث الملابس من بيوت الأزياء.. كانت ملابس محتشمة.. ولكنها أحدث موديل.. وعندما ذهبتُ واشتريت ملابس العمرة البيضاء كانت أول مرة ألبس الثياب البيضاء دون أن أضع أي نوع من المساحيق على وجهي ورأيت نفسي أكثر جمالا.. ولأول مرة سافرت دون أن أصاب بالقلق على أولادي لبُعدي عنهم وكانت سفرياتي تصيبني بالفزع والرعب خوفاً عليهم.. وكنت آخذهم معي في الغالب. وذهبتُ لأداء العمرة مع وفد من هيئة قناة السويس.. وعندما وصلتُ إلى الحرم النبوي بدأت أقرأ في المصحف دون أن أفهمَ الآيات فهماً كاملاً لكن كان لدي إصرار على ختم القرآن في المدينة ومكة.. وكانت بعض المرافقات لي يسألنني: هل ستتحجبين؟ وكنت أقول: لا أعرف.. كنت أعلق ذلك الأمر على زوجي.. هل سيوافق أم لا... ولم أكن أعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وفي الحرم المكي وجدت العديد من الأخوات المسلمات اللائى كُنَّ يرتدين الخمار وكنت أفضل البقاء في الحرم لأقرأ القرآن الكريم وفي إحدى المرات أثناء وجودي في الحرم بين العصر والمغرب التقيتُ بإحدى الأخوات وهي مصرية تعيش في الكويت اسمها (أروى) قرأتْ عليّ أبياتاً من الشعر الذي كتبته هي فبكيت، لأنني استشعرت أنها مسّت شيئاً في قلبي وكنت في تلك الفترة تراودني فكرة الحجاب كثيراً ولكن الذي من حولي كانوا يقولون لي: انتظري حتى تسألي زوجك.. لا تتعجلي… أنت مازلتِ شابة… الخ) ولكن كانت رغبتي دائماً في ارتداء الحجاب قالت الأخت (أروى): فليقــولوا عـن حجابـــي--- لا وربـي لـن أبـــالــي قـد حماني فيــه دينـــي--- وحبـــــاني بالجـــلال زينتـي دومــاً حيـائــي--- واحتشــامي هـو مالـــي ألأنــــي أتـــولــى--- عـــن متــاعٍ لـــزوالِ لامنـي النـاس كـأنـــي--- أطلب الســـوء لحــالـي كم لمحـت اللــوم منهـــم--- في حــديث أو ســــؤال وهي قصيدة طويلة أبكي كلما تذكرتها… استشعرت تتحدث بلسان حالي… وأنها مست شغاف قلبي. وبعد ذلك ذهبت لأداء العمرة لأخت لي من أبي توفيت وكنت أحبها كثير -رحمها الله- وبعد أداء العمرة لم أنم تلك الليلة واستشعرت بضيق في صدري رهيب وكأن جبال الدنيا تجثم فوق أنفاسي… وكأن خطايا البشر كلها تخنقني… كل مباهج الدنيا التي كنت أتمتع بها كأنها أوزار تكبلني… وسألني والدي عن سبب أرقي فقلت له: أريد أن أذهب إلى الحرم الآن… ولم يكن الوقت المعتاد لذهابنا إلى الحرم قد حان ولكن والدي -وكان مجنداً نفسه لراحتي في رحلة العمرة- صحبني إلى الحرم… وعندما وصلنا أديتُ تحية المسجد وهي الطواف وفي أول شوط من الأشواط السبعة يسّر الله لي الوصول إلى الحجر الأسود ولم يحضر على لساني غير دعاء واحد… لي ولزوجي وأولادي وأهلي وكل من أعرف… دعوت بقوة الإيمان… ودموعي تنهمر في صمت ودون انقطاع… طوال الأشواط السبعة لم أدعُ إلا بقوة الإيمان وطوال الأشواط السبعة أصل إلى الحجر الأسود وأقبّله، وعند مقام إبراهيم عليه السلام وقفت لأصلي ركعتين بعد الطواف وقرأت الفاتحة، كأني لم أقرأها طوال حياتي واستشعرت فيها معانٍ اعتبرتها منة من الله، فشعرت بعظمة فاتحة الكتاب… وكنت أبكي وكياني يتزلزل… في الطواف استشرت كأن ملائكة كثيرة حول الكعبة تنظر إلي… استشعرت عظمة الله كما لم أستشعرها طوال حياتي. ثم صليت ركعتين في الحِجر وحدث لي الشيء نفسه كل ذلك كان قبل الفجر… وجاءني والدي لأذهب إلى مكان النساء لصلاة الفجر عندها كنت قد تبدلت وأصبحت إنسانة أخرى تماماً. وسألني بعض النساء: هل ستتحجّبين يا أخت شمس؟ فقلت: بإذن الله… حتى نبرات صوتي قد تغيرت… تبدلت تماماً… هذا كل ما حدث لي… وعدتُّ ومن بعدها لم أخلع حجابي… وأنا الآن في السنة السادسة منذ ارتديته وأدعو الله أن يُحسن خاتمتي وخاتمتنا جميعاً أنا وزوجي وأهلي وأمة المسلمين جمعاء. ا . هـ .
أختي المسلمة تذكري أن الموت قريب وأن الأعمال بالخواتيم ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (31) ، ما أحسن وأجمل وأبهى أن تلاقي الله على طاعته ، ويبشرك بجنات النعيم :- (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ )) (فصلت / 32:30) .
أما تحبين أن تسمعي هذا النداء العذب الجميل : (( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي )) (الفجر / 30:27)
ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا واسمه الأعظم الذي إذا سُأل به أعطى وإذا دعي به أجاب أن يهدينا وإياك إلى الصراط المستقيم ، وأن يجعلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

(31) صحيح رواه أبو داود وأحمد وغيرهما. نشرت هذه الرسالة في ملتقى الألوكة سنة 1432 هـ تقريبا ، وتم تعديلها وإعادة نشرها في 27 من رجب 1435 هـ في هذا الموقع جزا الله القائمين عليه خيرا ، والحمد لله رب العالمين .
 

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©