موضوع عشوائي

آخر المواضيع

تسلية الأريب بالصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم
تسلية الأريب بالصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فقد قال الله تعالى :

 
                                                                                   (الأحزاب 56) .
وحتى لا يظن أحدٌ أن هذا الفضل خاص بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم - دون غيره من الأنبياء - أمر الحبيب صلى الله عليه وسلم أمته بالصلاة عليه وعلى إخوانه الأنبياء من قبله فقال صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين :
 " صلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني ". (1) . وهذا لا يتنافى مع تكريم الله له ورفعه درجته على سائر الأنبياء بلا خلاف كما قال سبحانه : ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ )) (البقرة 53) .
ومن كرمه سبحانه أنه لم يجعل شرف صلاته سبحانه قاصرًا على حبيبه ومصطفاه وحده بل جعله عامًّا في كل المؤمنين فقال عزَّ من قائل :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)) (الأحزاب 41 : 43)
فلله الحمد والمنة على ما أعطى ، ونسأل الله المزيد .
وأما معنى الصلاة من الله ففيها خمسة أقوال: أحدها: أنها رحمته، قاله الحسن. والثاني: مغفرته، قاله سعيد بن جبير. والثالث: كرامته، قاله سفيان. والرابع: بَرَكَتُه، قاله أبو عبيدة.

والخامس: ثناؤه، قاله أبو العالية.(وقال به العلامة ابن عثيمين استنادًا إلى مغايرة الواو في قوله تعالى : 
(( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)) (البقرة 157) ، (قلت وهذا لا ينافي كون الصلاة تشتمل على كل المعاني الجليلة السابقة ، وأبرز هذه المعاني هو الرحمة ، ويكون الكلام في الآية من باب عطف الخاص على العام ؛ ذلك لما في الرحمة من معان عظيمة ، ألم أن الله تعالى اختص سورة الفاتحة - وهي أعظم سورة في القرآن - بذكر صفة الرحمة فقال سبحانه : ((الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) (3 الفاتحة) ولم يقل الغفور الرحيم أو الرءوف الرحيم ، والعرب يقولون إن ما كان على وزن فعلان أبلغ من ما كان على وزن فعيل ، وأجيب على هذا بأن الرحمن هو المنعم بعظائم النعم وجلائلها ، وأما الرحيم فتعني المنعم بدقائق النعم وصغائرها ، والله أعلم بمراده) .
وفي صلاة الملائكة قولان: أحدهما: أنها دعاؤهم، قاله أبو العالية. والثاني: استغفارهم، قاله مقاتل. (2)
فإن الهموم نوعان : همّ الدنيا وهمّ الآخرة ، لاحظت أمرًا عجبًا ، بلاغة القرآن في أول سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولها اسم آخر (سورة القتال) ؛ لأن الأخلاق الفاضلة لا تظهر إلا في أشد الأحوال لا سيما القتالَ ، في هذه السورة المباركة يقول الله تعالى : (( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ )) [محمد: 2] .
فذكر الهمّين : الهمّ الأول : (سَيِّئَاتِهِمْ ) هم الآخرة ، وهذا هو المفترض أن يكون هم الآخرة مقدم على سائر الهموم كما في الحديث : (( «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ » . (3)
الهمّ الثاني : (بَالَهُمْ) همّ الدنيا ، ثم تدبرت سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم - وليس التدبر قاصرا على الكتاب وحده ، بل والسنة أيضا ؛ فكلاهما وحي - فوجدت حديثًا حسنًا رواه الترمذي وغيره عن أبيّ رضي الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ» ، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ» . قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ». (4)
  فَقَدَّمَ همّ الدنيا على همّ الآخرة ، ولله دَرُّ من قال : إذا كنتَ في همٍّ وضيقٍ وفاقةٍ ... وأمسيت مكروبًا وأصبحت في حرجْ
فصلّ على المختار من آل هاشمٍ ... وسلّم فإن الله يأتيك بالفرجْ 

وقد نظمت بحمد الله حديث أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه - في هذه الأبيات :
إن رُمْتَ تُكْفَى همومَ الحياةِ ... وتأمنُ يومًا يُطِيرُ القلوب
فهاكَ حديثًا يَسُرُّ الحبيبَ ... حَدِيثُ أُبَيٍّ يُزِيلُ الخُطُوب
يقول صلاتي تَخُصُّ الشفيعَ ... فهل لي ثوابٌ يُنِيرُ الدروب
فقال الرسول بقلب الشفيق ... كُفِيتَ همومًا بدار الكروب
وأبشر بأخرى ليوم الوعيد ... سيغفرُ ربي جميعَ الذنوب




آخر ما نختم به سؤال : هل يجب الالتزام بهاتين الصيغتين في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟
والجواب : يجب الالتزام بأحد هاتين وما أشبههما مما ورد في السنة الصحيحة في الصلاة (التشهد) فقط ، ويستحب الالتزام بهذه الصيغ خارجَ الصلاة ، وأما الصلوات المنقولة عن بعض الأصفياء فلا بأس بها بشرط موافقتها السنةَ وخلوها من الإطراء والتكلف ، مع عدم المواظبة عليها أو ادِّعاء سنيتها أو أفضليتها على الصلوات الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - . ومن الطرائف أني التقيت أحد الإخوة في العمرة ، فأخذ المايكروفون وقال هذا الدعاء :

  ثم قال هذه الصيغة هي الصحيحة والثابتة في صحيح البخاري عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلت له يا أخي هذا ليس في صحيح البخاري أبدًا ، المقصود لا بأس بهذه الصيغة وغيرها وفقًا للشرط المتقدم ، والله أعلم .
  اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حسن رواه عبد الرزاق (3118) (2 / 215) والبزار (9411) (16 / 241) ، وغيرهما ، وانظر الصحيحة للعلامة الألباني (2963) (6/1124) ، وصحيح الجامع الصغير (2782) (2/706)  .
(2) (زاد المسير 3/470) .. 
(3) صحيح ، رواه الترمذي (2465) (4 / 642) وابن ماجه (4105) (2 / 1375) ، وغيرهما .
(4) حسن ، روا ه الترمذي (2457) (4 / 636) ، وأحمد (21242) (35 / 166 ، 167) عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: "إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللهُ مَا أَهَمَّكَ (أو هَمَّكَ) مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ "، ورواه غيرهما .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©