موضوع عشوائي

آخر المواضيع

الردود العلمية 4- الرد على من كفَّر مسلمًا لقتله مسلمًا

4- الرد على من كفَّر مسلمًا لقتله مسلمًا .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فقد قال الله تعالى :
((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) (النساء 93) "مَنْ" اسم شرط جازم يفيد العموم يعرب مبتدأ ويقتل فعل الشرط، ومؤمنا مفعول به، ومتعمدا حال، فجزاؤه الفاء رابطة لجواب الشرط، وجزاؤه مبتدأ وجهنم خبره أو بالعكس، والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر «من» ، وخالدا حال، وفيها متعلقان ب «خالدا» (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) الواو عاطفة على مقدر لا بدّ منه لينسجم الكلام، وهذا المقدر تدل عليه الشرطية، أي: حكم الله بأن جزاءه ذلك وغضب عليه (وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) عطف أيضا. (إعراب القرآن لمحيي الدين درويش (2/297) ) .
ومن خلال هذا الإعراب توهم بعض الناس أن أي قاتل لمؤمن إن لم يتب فسيعاقبه الله تعالى بتلك العقوبات الخمس ، والآية محكمة غير منسوخة على الصحيح ، وقد طرح هذا الاستشكال شيخ شيوخنا العلامة عبد الله بن الصديق الغماري محدث المغرب رحمه الله فقال : ((سألت عنه مولانا الوالد رضي الله عنه فقلت : هذه الآية تفيد أن القاتل مخلد في النار ، فكيف يجاب عنها لتتفق مع الأدلة الدالة على أن عصاة المؤمنين لا يخلدون في النار ؟ فقال : الجواب في الآية نفسها . قلت : كيف ذلك ؟ قال : في قوله تعالى ((فجزاؤه)) أي أن هذا جزاؤه ، ولكن الله تعالى تفضل فلم يعاقبه بهذا الجزاء ، وهذا كما يقول الرجل لولده - إذا خالفه - جزاؤك أن أضربك مائة سوط ، ثم يسامحه ، أو يضربه عشرة أسواط ، وبهذا تكون الآية متفقة مع الأدلة من الكتاب والسنة المتواترة المفيدة - بالقطع - أن عصاة المؤمنين يخرجون من النار ، ويدخلون الجنة ، وقد ثبت في الحديث أن الكفار - إذا رأوا العصاة خرجوا من النار - تمنوا لو كانوا مسلمين ليخرجوا مثلهم ، وهذا معنى قوله تعالى ((رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)) (الحِجْر 2) (قراءة التخفيف للمدنيين وعاصم والباقون بالتشديد وقد صح هذا الحديث في عدد من كتب السنة) وما ورد عن ابن عباس من أنه حمل الآية السابقة على ظاهرها ، وجعلها ناسخة لآيات المغفرة ، لعله لا يصح عنه ؛ لأنه يعلم أن آيات المغفرة أخبار ، وأن الأخبار لا يدخلها نسخ ، ولأنه أحد رواة الأحاديث الدالة على خروج العصاة من النار ، والقاتل مؤمن ، بدليل قوله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ..)) (البقرة 178) وقوله تعالى ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)) (الحجرات 9) ، والله أعلم . (خواطر دينية 1 / 72 ، 73) .
وبناءً على ما سبق أقول - وبالله التوفيق- هذه الآية بمثابة قانون عقوبات إلهي ، ولم يقل الله ((ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فهو معذب كذا وكذا)) بل قال ((فجزاؤه)) إذن ما ذُكِر من عقوبات ما هو إلا جزاء كما يحدث في محاكم الدنيا من وقوع بعض المجرمين من مُسَجَّلِي الخطر تحت قبضة السلطات فتطبق عليهم القوانين كاملة بكل حزم ، ومن جهة أخرى إن وقع بعض الشرفاء في جريمة يعاقب عليها القانون بخمس وعشرين سنة مثلا من الممكن أن يخفف عنه العقاب فلا يقضي المدة كلها ، بل ربما يجد المدافع عنه أمورا تسقط عنه العقاب كاملًا ، والخلاصة : إن كان قاتل المؤمن كافرًا فهو معاقب بالعقوبات الخمس من باب الوعد ، قال الله تعالى : ((وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)) (التوبة 68) ، وأما إن كان القاتل مسلمًا وكتب الله له الموت على التوحيد فلا ينال العقوبات الخمس كاملة بحال من الأحوال ، بل قد ينال بعضها من باب الوعيد ، قال الله تعالى : ((أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)) (السجدة 18) . والله تعالى لا يخلف وعده ، ولكن قد يخلف وعيده ، قال عامر بن الطفيل :
وَإِنِّي إِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
قال الإمام القرطبي رحمه الله (ت 671 هـ) :
"وَرَوَى أنس ابن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَمَلٍ ثَوَابًا فَهُوَ مُنْجِزٌ لَهُ رَحْمَةً وَمَنْ وَعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَابًا فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ). وَالْعَرَبُ تَذُمُّ بِالْمُخَالَفَةِ فِي الْوَعْدِ وَتَمْدَحُ بِذَلِكَ فِي الْوَعِيدِ،" (الجامع لأحكام القرآن 4/318) .
قلت : وهو حديث حسن بشواهده ، رواه ابن أبي عاصم في السنة
(960) (2/466) و
البزار في مسنده (6882) (13/297) وغيرهما ، وفي البعث والنشور للبيهقي بلفظ :
((...وَمَنْ أَوْعَدَهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَابًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ)) لَفْظُ حَدِيثِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَاقُونَ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ - تَفَرَّدَ بِهِ سُهَيْلٌ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، ثم قال قَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْقُتَيْبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّهْيدِيُّ، ثنا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: " يُؤْتَى بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَقَامَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ لِي: لِمَ قُلْتَ إِنَّ الْقَاتِلَ فِي النَّارِ؟ فَأَقُولُ: أَنْتَ قُلْتَهُ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: « {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا» } [النساء: 93] قُلْتُ لَهُ: وَمَا فِي الْبَيْتِ أَصْغَرُ مِنِّي، أَرَأَيْتَ إِنْ قَالَ لَكَ: فَإِنِّي قَدْ قُلْتُ: " {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنِّي أَشَاءُ أَنْ أَغْفِرَ؟ قَالَ: فَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا . (البعث والنشور (45) (1/77) ) .

قال العلامة الألباني رحمه الله :
وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير سهيل هذا، فهو ضعيف كما في " التقريب "، وقد ضعفه الجمهور ومنهم البخاري، وقال ابن حبان: "يتفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ". والحديث قال الهيثمي (10 / 211
) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " وفيه سهيل بن أبي حزم، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: لم يوثقه غير العجلي وهو لين التوثيق، وقال ابن معين في رواية: " صالح ". وضعفه الجمهور كما تقدم، وفيهم ابن معين في الرواية الأخرى عنه. قلت: والحديث مع ضعف سنده فهو ثابت المتن عندي، فإن شطره الأول يشهد له آيات كثيرة في القرآن الكريم كقوله تعالى : * (لا يخلف الله وعده) * (1) وقوله: * (ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) * (2) . وأما الشطر الآخر، فيشهد له حديث عبادة بن الصامت مرفوعا بلفظ: " ... ومن عبد الله ... وسمع وعصى، فإن الله تعالى من أمره بالخيار، إن شاء رحمه، وإن شاء عذبه ". أخرجه أحمد وغيره بسند حسن كما حققته في " تخريج السنة " (968) وله طرق أخرى في " الصحيحين " وغيرهما بنحوه. فانظر التخريج المذكور (961 - 967) . (السلسلة الصحيحة 5/596) .

أما إن تاب القاتل تاب الله عليه كما في الحديث قال صلى الله عليه وسلم : " يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلاَنِ الجَنَّةَ: يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى القَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ" . رواه البخاري (2826) (4/24) ، ومسلم (1890) (3/1504) .
وليس معنى ما تقدم تهوين أمر قتل النفس بغير حق ؛ فإن الوعيد على هذه الفعل شديد ، وليس أدل على ذلك في السنة من قوله صلى الله عليه وسلم «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» . رواه البخاري (6862) (9 /2) ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ»
. رواه البخاري (6862) (9 /2) .
وفي فهم هذا الباب فوائد كثيرة ، منها مقاومة فتنة التكفير التي فشت في بلاد المسلمين ، وقد اتجه بعض الدعاة إلى تكفير كل الفرق الإسلامية إلا جماعتهم استنادًا للحديث :

«افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ» . صحيح رواه ابن ماجه (3992) (2/1322) ، وابن أبي عاصم (63) (1/32) ، وغيرهما . وليس في الحديث نص بتكفير الفرق المارقة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : «أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» . رواه البخاري (6104) (8/26) ومسلم (60) (1/79) .
وعلى النقيض ذهب فريق آخر إلى تضعيف الحديث والقول بأن كل الفرق على صواب ومتأولون ، وأعرضوا عن الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة التي تنص على عذاب المخالفين ، فما هؤلاء أفلحوا ولا أولئك أصابوا ، فتأمل يرحمك الله .
وأما من هداهم الله إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنه فقد قالوا إن الحديث صحيح ومعناه أن كل الفرق الإسلامية الضالة فساقٌ غير كافرين ، وقد توعدهم الله بالعقاب إلا الخلود في النار فمن شاء الله لهم العذاب يمكثون في النار حينًا لا نعلم مقداره ثم يخرجهم الله بإحدى الشفاعات ، كل ذلك بشرط أن يموتوا مؤمنين بالله ؛ كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة مِن إخراج مَن قال لا إله إلا الله من النار وأن الأعمال بالخواتيم . وهاك بعض الأحاديث الدالة على ذلك :

1- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ المُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ» . رواه البخاري (391) (1/87) .
2- عن أَبي ظَبْيَانٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ . رواه البخاري (4269) (5/144) ومسلم (96) (1/97) وفي رواية أخرى لمسلم : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: «وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . (97) (1/97) .
3- عن مَعْبَدِ بْنِ هِلاَلٍ العَنَزِيِّ ، قَالَ: اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ البُنَانِيِّ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّي الضُّحَى، فَاسْتَأْذَنَّا، فَأَذِنَ لَنَا وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقُلْنَا لِثَابِتٍ: لاَ تَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ هَؤُلاَءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ جَاءُوكَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتُونِي، فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِي الآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ - أَوْ خَرْدَلَةٍ - مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ، فَأَنْطَلِقُ، فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ " فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: لَوْ مَرَرْنَا بِالحَسَنِ وَهُوَ مُتَوَارٍ فِي مَنْزِلِ أَبِي خَلِيفَةَ فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِي الشَّفَاعَةِ، فَقَالَ: هِيهْ فَحَدَّثْنَاهُ بِالحَدِيثِ، فَانْتَهَى إِلَى هَذَا المَوْضِعِ، فَقَالَ: هِيهْ، فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا، فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي وَهُوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلاَ أَدْرِي أَنَسِيَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا، قُلْنَا: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا فَضَحِكَ، وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولًا مَا ذَكَرْتُهُ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ، قَالَ: " ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي، وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " . رواه البخاري (7510) (9/146) ، ومسلم (193) (1/180) باختلاف يسير في ألفاظه وفي آخره : قَالَ : فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ - قَالَ " فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ ". وانظر (فتح الباري 11/440) ، نسأل الله أن يدخلنا الجنة بغير حساب ولا عذاب ، والله أعلم ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©