موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة العقود الذهبية في المتشابهات القرآنية 2-مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانَا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...

فيقول الناظم - وفقه الله وغفر له - : 
 
2-مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانَا ... بِالَاعْرَافِ وَالْحَجِّ وَآلِ عِمْرَانَا

وَزِدْ عَلَيْكُمْ وَأَيْقِظِ النُّوَّامَا ... وَخُصَّ بِهَا مُفْرِدًا أَنْعَامَا


"مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانَا ..." أي إن قوله - تعالى - ((مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانَا)) وقع بهذه الصورة في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع " بِالَاعْرَافِ وَالْحَجِّ وَآلِ عِمْرَانَا" ، وهي على ترتيب البيت :
1- ((قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) (الأعراف 33) .
2-((وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)) (الحج 71) .
3-((سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)) (آل عمران 151) .
ثم قال : "وَزِدْ عَلَيْكُمْ " أي زد على الكلام السابق بكلمة "عليكم" واجعلها بعد به ؛ لتصير هكذا ((مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا)) ، "وَأَيْقِظِ النُّوَّامَا" أي نَبِّه النائمين المكثرين من النوم الحِسِّي أو المعنوي ، والنُوَّامَا بألف الإطلاق : جمع نائم . يقال رجل نَوّام ، ونَؤُوم ، ونُوَمَة بوزن فُعَلَة أي كثير النوم ، ويقال رجل نُومَة إِذا كَانَ خاملاً (1)
، وَفِي الحَدِيث أَن النبيّ - صلى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم - قَالَ لحذيفة بن اليمان - ت 36 هـ رضي الله عنه - : "قُمْ يَا نَوْمانُ". (2)
   قول الناظم - وفقه الله - "... وَخُصَّ بِهَا مُفْرِدًا أَنْعَامَا" أي إن قول الله - تعالى - ((مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا)) لم يرد في القرآن الكريم إلا في موضع واحد فقط في القرآن الكريم ، وذلك بسورة الأنعام :
((وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (الأنعام 81) .
ويبدو للمتدبر من أول وهلة الفرق بين المواضع الثلاثة الأولى - الأعراف والحج وآل عمران - وموضع الأنعام ؛ أن المواضع الأولى كانت حديثًا من رب العالمين عن المشركين إما بأمر اللهِ النبيَ - صلى الله عليه وسلم - أن يحذرهم الشركَ (3) أو بإخباره - سبحانه - عن المشركين وعبادتهم الباطلة كما في الحج أو إلقاءه الرعب في قلوبهم ؛ لشركهم كما في آل عمران ، وأما موضع الأنعام فهو خطاب من إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - للمشركين بأسلوب التَّنَزُّل في الخطاب وإشعار المخاطب بقيمته وحرص الداعي عليه ، من باب قوله - تعالى - : ((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)) (سبأ 24) ، ونقول إن الداعي إلى الله ينبغي أن يتحلى بهذه الرحمة التي تحلى بها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - كما قال لأبيه مشفقًا عليه : ((يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا)) (مريم 44 ، 45) قال له الرحمن ولم يقل الجبار ؛ ليلفت نظره إلى رحمة الله بخلقه ، والرحمن إذا عذَّب أتعب ، بينما أبو هريرة - ت 59 هـ رضي الله عنه - يقول للمرأة المستعطرة التي تُرِيدُ الْمَسْجِدَ : "يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ أَيْنَ تُرِيدِينَ؟" (4) ؛ لأن الكافر الجاهل بأمر الدين في أمس الحاجة إلى الرفق والرحمة من المسلم العارف بالدين ؛ فالحكمة قول ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي كما قال المتنبي - ت 354 رحمه الله - :
وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى ... مُضِرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى
 والله أعلم . نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعُنا ، وينفعنا بما علمنا ، ويزيدنا علمًا ، ويجعله حجة لنا لا علينا ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وانظر جمهرة اللغة لأبي بكر محمد بن الحسن بن دُرَيْدٍ الأَزْدِي - (المتوفى: 321هـ) - (2/ 992) ، قال العلامة أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين - (المتوفى: 395هـ) - :  "النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جُمُودٍ وَسُكُونِ حَرَكَةٍ. مِنْهُ النَّوْمُ. نَامَ يَنَامُ نَوْمًا وَمَنَامًا. وَهُوَ نَؤُومٌ وَنُوَمَةٌ: كَثِيرُ النَّوْمِ وَرَجُلٌ نَوْمَةٌ: خَامِلٌ لَا يُؤْبَهُ لَهُ. وَمِنْهُ اسْتَنَامَ لِي فُلَانٌ، إِذَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَسَكَنَ. وَالْمَنَامَةُ: الْقَطِيفَةُ، لِأَنَّهُ يُنَامُ فِيهَا. وَيَسْتَعِيرُونَ مِنْهُ: نَامَتِ السُّوقُ: كَسَدَتْ. وَنَامَ الثَّوْبُ: أَخْلَقَ". مقاييس اللغة (5/ 372 ، 373) .
(2) وكان ذلك في غزوة الأحزاب في شوال سنة خمسة هجرية ، وأصل الحديث في صحيح مسلم (1788) (3/ 1414) ، وفيه معجزة وقصه : عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ، وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» ، فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَقَالَ: «قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ» ، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ، قَالَ: «اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ» ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ» ، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ، فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: «قُمْ يَا نَوْمَانُ».
(3) كما هو ظاهر من السباق أي الآية التي قبلها : ((وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) (الأعراف 28) . قال الإمامن ابن الجوزي - ت 597 هـ - قوله تعالى: وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً فيمن عني بهذه الآية ثلاثة أقوال:  أحدها: أنهم الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة. والفاحشة: كشف العورة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وزيد بن أسلم، والسدي. والثاني: أنهم الذين جعلوا السائبة والوصيلة والحام، وتلك الفاحشة، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس.والثالث: أنهم المشركون والفاحشة: الشرك، قاله الحسن، وعطاء. زاد المسير (2/ 111) .
(4) قَالَتْ: الْمَسْجِدَ، قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ، ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلَاةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ» . صحيح (4002) (2/ 1326) .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©